“المركزي المصري” يعود إلى الربحية.. ماذا يعني ذلك للأزمة الاقتصادية؟

أثار تحول البنك المركزي فِي مصر إِلَى الربحية فِي السنة المالية الماضية، لأول مرة فِي 7 سنوات، تساؤلات بِشَأْنِ أسباب ودلالة هَذَا الأمر، وَمَدَى تأثيره عَلَى الوضع المصرفي والاقتصادي فِي مصر.
ووفقا لتقرير مراقبة الحسابات، المنشورة عَلَى موقع البنك المركزي، وقوائم البنك المالية، وَصَلَتْ الأرباح إِلَى 22.834 مليار جنيه، مقابل خسائر قيمتها 86.28 مليار جنيه فِي العام المالي السابق لَهُ. ويبدأ العام المالي فِي مصر من أول يوليو وينتهي آخر يونيو من العام التَّالِي.
التحول الملحوظ
وتحدث الخبير الاقتصادي، كريم عبدالسلام، إِلَى موقع “الحرة” عَنْ الأسباب الَّتِي غيرت مسار البنك المركزي من الخسارة إِلَى الربحية، قائلا إِنَّهَا “تعود أولا إِلَى إلغاء دعم المبادرات، إِذْ توقف رالمركزي فِي نوفمبر2022، عَنْ دعم5 مبادرات رئيسية، هِيَ مبادرتا التمويل العقاري لمحدودي ومتوسطي الدخل، والصناعة، والسياحة، وتحويل عمل السيارات للعمل بالوقود المزدوج-أي البنزين والغاز. وَتَمَّ تحويل دعم المبادرات إِلَى وِزَارَة المالية، وفق قرار رَئِيس الوزراء مصطفى مدبولي”.
وَأَضَافَ عبدالسلام أن “قرار مدبولي جاء بَعْدَمَا تكبد المركزي خسائر طائلة من دعم المبادرات، نظراً لتحمله فارق سعر الفائدة المدعم بالنيابة عَنْ وِزَارَة المالية، كَمَا جاء استجابة لطلب صندوق النقد الدَّوْلِي وفق برنامج الإصلاح الاقتصادي”.
والسبب الثاني، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي، يتمثل فِي “تخفيض المديونية”، موضحا أن “صندوق النقد الدَّوْلِي كشف عَنْ خطة لتقليل مديونية الجهات الحكومية للبنك المركز بواقع100 مليار جنيه سنويا”.
وَقَالَ عبدالسلام إن العامل الثالث يَتَعَلَّقُ بِزِيَادَةٍ الأصول، مشيرًا إِلَى أَنَّهَا “ارتفعت بنسبة35% إِلَى نَحْوَ6.1 تريليون جنيه، مقارنة بنحو4.5 تريليون جنيه فِي العام المالي السابق”.
وَأَضَافَ أن “مساهمات المركزي ارتفعت فِي رؤوس الأموال الخَاصَّة بِمُؤَسَّسَاتِ تمويل دولية إِلَى22.64 مليار جنيه، مقابل19.38 مليار جنيه بنهاية يونيو 2023″.
وتابع “وبلغت مساهمات المركزي فِي رؤوس الأموال شركات تابعة وشقيقة نَحْوَ75.844 مليار جنيه”.
القوائم المالية للبنك المركزي كشفت مفاجآت أُخْرَى أيضًا، بِحَسَبِ مَا قاله الخبير الاقتصادي، هِيَ “ارتفاع أرصدة الذهب بنسبة90.6% إِلَى454.93 مليار جنيه مقابل238.6 مليار جنيه قبل عام، كَمَا زادت قيمة إجمالي الأصول للمركزي لتسجل6.06 تريليون جنيه مقابل4.48 ترليون جنيه”.
خلل کَبِير فِي الاقتصاد المصري
والتحول الملحوظ فِي بيانات البنك المركزي لَهُ دلالات وتبعات عَلَى الوضع المصرفي والاقتصادي المصري شرحها الخبير الاقتصادي عمر سمير خلف فِي حديثه لموقع “الحرة”.
وَقَالَ خلف إن “القطاع المصرفي هُوَ الأكثر ربحية فِي مصر، إِذْ حققت البنوك العاملة فِي مصر خِلَالَ العام المالي الحالي ربحية وَصَلَتْ إِلَى156 مليار جنيه، وهذه تعتبر معضلة اقتصادية لأنها تعني أن الأَنْشِطَة الإنتاجية الأخرى ليست مربحة وتشهد تراجعا، وَالبِتَّالِي يفضل المزيد من الناس إيداع أموالهم فِي البنوك أَوْ المضاربة عَلَى الديون، خاصة مَعَ القرارات الأخيرة للمركزي برفع الفائدة”.
وَأَضَافَ أَنَّهُ “مَعَ إضعاف النشاط التجاري والاقتصادي فِي مصر بنسب أرباح لَا تتجاوز4% أَوْ5%، أَصْبَحَ القطاع المصرفي هُوَ الوحيد الَّذِي يحقق أرباحا”.
وَأَوْضَحَ أن “الأزمة الحقيقية تظهر وقت تحقيق هَذِهِ النسبة المرتفعة من الأرباح الَّتِي وَصَلَتْ إِلَى182% تقريبا، وهذا يَعْنِي وجود خلل کَبِير فِي الاقتصاد المصري، الَّذِي أَصْبَحَ اقتصادا ماليا وَلَيْسَ إنتاجيا، يقوده مجموعة من المصرفيين، وَالبِتَّالِي لَنْ ينعكس إيجابا عَلَى الوظائف أَوْ المرتبات فِي القطاعات الأخرى”.
ويرى أن “مَا يحدث هُوَ تبعات ارتباط مصر بالنظام المالي العالمي وبالمؤسسات المالية الدولية وأزمة الديون فِي مصر، باعتبار أن الحكومة هِيَ أكبر مقترض من البنوك العالمية والمحلية بفائدة مرتفعة، وَالبِتَّالِي فَإِنَّ استثمار البنوك فِي الديون المصرية مربح ومضمون”.
وَأَشَارَ الخبير الاقتصادي إِلَى أَنَّ “هَذَا الوضع ليس موجودا فِي مصر وحدها، بَلْ فِي تركيا والأرجنتين، لكن الفارق اعتمادهما عَلَى تشجيع النشاط التجاري والاستثماري فِي القطاعات الأخرى”.
وأظهرت القوائم المالية للمركزي أَنَّهُ حقق أرباحًا بأكثر من 7 مليارات جنيه من استثماراته فِي عَدَدُُ مِنَ الشركات، ارتفاعًا من 2.99 مليار جنيه فَقَطْ خِلَالَ العام المالي 2022-2023، الأمر الَّذِي عزز تحول المركزي للربحية بعد سلسلة من الخسائر.
وَكَانَ العام المالي 2016-2017 الأَخِير الَّذِي حقق فِيهِ البنك المركزي ربحية قبل العام المنتهي فِي يونيو الماضي، عِنْدَمَا بلغت أرباحه قرابة 12.7 مليار جنيه، وبعدها استمر فِي تسجيل خسائر تجاوزت بنهاية يونيو 2023 مبلغ 343 مليار جنيه.
ويتفق الخبير الاقتصادي، علي الإدريسي، مَعَ عبدالسلام فِي أن “ربحية المركزي مَا هِيَ إلَّا نتيجة لعمليات الإقراض، وطرح أدوات مالية كثيرة أُخْرَى”، لكنه أوضح فِي حديثه لموقع “الحرة” أن “المقياس الحقيقي سيظهر خِلَالَ العام الجاري وَحَتَّى نهاية ديسمبر، خاصة مَعَ سحب الحكومة كميات كبيرة من السيولة من البنوك مَعَ بداية النصف الثاني من العام الجاري، وَصَلَتْ إِلَى تريليون جنيه أسبوعيا، بفائدة مرتفعة تخطت27%”.
وَقَالَ إن “التحدي الأكبر أَمَامَ المركزي سيكون عِنْدَ إعلان الميزانية مَعَ انتهاء العام الحالي، لأنه بعد التعويم الأَخِير للجنيه فِي مارس بناء عَلَى توصيات صندوق النقد الدَّوْلِي، والإعلان عَنْ العمل بنظام السوق المفتوح لاستهداف معدلات التضخم، وما تبع ذَلِكَ من سحب السيولة من السوق عَنْ طَرِيقِ تَقْدِيم أثمنة فائدة مرتفعة”.
وذكر صندوق النقد الدَّوْلِي، الاثنين، أن الجهات الحكومية فِي مصر ستخفض مديونيتها للبنك المركزي بواقع 100 مليار جنيه كل سنة مالية، حَتَّى تصل إِلَى صفر، وَذَلِكَ بموجب خطة العمل الخَاصَّة بمطالبات البنك عَلَى الهيئات الحكومية، وَهُوَ مَا يمكن أن ينعكس إيجاباً عَلَى ميزانية البنك المقبلة.
وَأَشَارَ الصندوق، فِي تقرير مراجعة الاقتصاد المصري، إِلَى أَنَّ الجهات الحكومية سددت بالفعل مطالبات للبنك المركزي، بواقع 150 مليار جنيه بنهاية يوليو الماضي.
وأظهرت القوائم المالية للبنك المركزي ارتفاع مساهمته فِي شركة الهوية المالية الرقمية إِلَى 301 مليون جنيه مقابل 275 مليون جنيه، والشركة المصرية للإيداع والقيد المركزي 457 مليون جنيه مقابل 54 مليون جنيه.
وزاد المركزي أيضًا مساهمته فِي شركة “التيرا” للبنية التحتية المالية الرقمية لتسجل 140 مليون جنيه، بَدَلًا مِن 126 مليون جنيه، وشركة “إيجي كاش” للحلول النقدية لتسجل 264 مليون جنيه بَدَلًا مِن 109 مليون، وشركة ضمان مخاطر الائتمان لتسجل 538 مليون جنيه بَدَلًا مِن 513 مليون جنيه.
كَمَا رفع المركزي مساهماته أيضًا فِي شركة بنوك مصر للتقدم التكنولوجي لتسجل 2.23 مليار جنيه بَدَلًا مِن 1.64 مليار جنيه، والشركة المصرية لِإِعَادَةِ التمويل العقاري لتسجل 152 مليون جنيه بَدَلًا مِن 147 مليون.
البنوك المركزية لَا تَهْدِفُ إِلَى الربح
وَمِنْ جانبه، قَالَ أستاذ الاقتصاد بجامعة لافبروه البريطانية، أحمد سلامة، لموقع “الحرة” إن “البنوك المركزية لَا تَهْدِفُ إِلَى الربح مثل البنوك التجارية، إِذْ يتمثل دورها الرئيسي فِي إدارة السياسة النقدية للحفاظ عَلَى الاستقرار الاقتصادي للبلاد”.
وَأَضَافَ “عِنْدَمَا نقول إن البنك المركزي المصري أَوْ أي بنك مركزي آخر حقق ربحًا، فهذه الأرباح تأتي نتاجا لأنشطة البنك المركزي فِي إدارة الاقتصاد، وَلَيْسَ كهدف رئيسي، أي أَنَّهَا لَا تؤثر إيجابا عَلَى الأزمة المصرفية أَوْ الاقتصادية للبلاد”.
وعدد أستاذ الاقتصاد أمثلة هَذِهِ الأَنْشِطَة، قائلا إن مِنْهَا “الفوائد عَلَى الاحتياطيات الَّتِي يحتفظ بِهَا بالعملات الأجنبية أَوْ فِي شكل سندات حكومية، والفارق بَيْنَ سعر الفائدة عَلَى القروض والودائع،فَضْلًا عَنْ الأرباح الَّتِي قَد تأتي أيضًا من عمليات الصرف الأجنبي عِنْدَمَا يبيع البنك المركزي عملات أجنبية بسعر أعلى من السعر الَّذِي اشتراها بِهِ، كَمَا أنالبنك المركزي قَد يدير أصولاً مثل الذهب أَوْ الاستثمارات الأخرى الَّتِي تحقق عوائد”.
وَأَوْضَحَ أستاذ الاقتصاد أن “هُنَاكَ فهما خاطئا لدور البنك المركزي فِي التقارير الإعلامية، إِذْ أَنَّهُ ” لَا يستدين من أموال الشعب مثلما تفعل البنوك التجارية. بالعكس، البنك المركزي يتخذ إجراءات لإدارة السيولة فِي الاقتصاد، مثل إصدار سندات أَوْ أدوات دين أُخْرَى، لامتصاص السيولة الزائدة أَوْ لتوجيه السياسة النقدية”.
وَقَالَ إن“الربح الَّذِي يحققه البنك المركزي يأتي من الفوائد عَلَى الاحتياطيات والاستثمارات أَوْ من الفارق بَيْنَ أثمنة الفائدة عَلَى القروض والودائع، وَلَيْسَ من الاقتراض من أموال الشعب. وهذه الأرباح تعود غالبًا للدولة لدعم ميزانيتها”.
وَأَضَافَ أن “البنك المركزي يعمل لِتَحْقِيقِ الاستقرار الاقتصادي وَلَيْسَ لِتَحْقِيقِ الربح كهدف رئيسي، وأي ربح يحققه هُوَ نتيجة لأنشطته الاقتصادية وَلَيْسَ من اقتراض أموال المواطنين”.
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا