كيف سيتعامل العالم مع تراجع تعداد السكان وشيخوخة المجتمعات؟

مَعَ انطلاق موسم كرة القدم الإنجليزية، أتوقع أن يحلّ نادي «أرسنال» بَيْنَ الفرق الثلاثة الأُوْلَى فِي نهاية الموسم. لكنني أقل ثقة بِشَأْنِ التنبؤ بأشياء أكثر تحديداً؛ مثل نتيجة المباراة الَّتِي سيواجه أرسنال فِيهَا فريقي، فولهام، فِي الأول من أبريل.
وَعَلَى النحو ذاته، لَا يمكنني بدقة توقع السعر المحدد للأسهم من أسبوع للآخر. لكن مَا يهم حقاً هُوَ تحديدي للشركات القادرة عَلَى تحقيق تفوق نسبي فِي الأداء عَلَى المدى الطويل.
وعموماً، فَإِنَّ الاستثمار فِي الأسهم لعبة النفس الطويل. ولذلك، دائماً مَا أبحث عَنْ ظروف داعمة عَلَى المدى الطويل بإمكانها أن تمنح الشركات جيدة الإدارة وَالَّتِي تتمتع بميزات تنافسية نمواً مستداماً يمكنها من الفوز باللعبة.
وَقَد تكون العوامل الديمغرافية واحدة من هَذِهِ الأدوات الداعمة؛ فعلى مَدَى العقود الأخيرة، كَانَ نمو السكان العاملين فِي الأسواق الناشئة محركاً لازدياد الاستهلاك الَّذِي استفادت مِنْهُ شركات مثل «نستله» و«كوكاكولا» و«يام براندز» المالكة لـ«كي إف سي».
لنأخذ الصين مثالاً عَلَى ذَلِكَ، فقد نما عدد السكان اللَّذِينَ تَتَرَاوَحُ أعمارهم بَيْنَ 15 و64 عَلَى مَدَى الخمسين عاماً الماضية من أكثر من 500 مليون نسمة إِلَى قرابة المليار، أَوْ من 56 % إِلَى 70 % مِنْ عَدَدِ السكان. ودائماً مَا كَانَ الإحصائيون والساسة يميلون إِلَى استنباط النمو الحتمي لأعداد السكان ثُمَّ يصابون بالذعر. فقد كَانَ هُنَاكَ توماس مالتوس صاحب عبارة «سنموت جميعنا جوعى» فِي 1798، ثُمَّ بروز استعارة «الخطر الأصفر» العنصرية بعد ذَلِكَ بقرن، وَرُبَّمَا إِلَى حد مَا، المخاوف بِشَأْنِ التغير المناخي وتأثير نمو السكان عَلَى البيئة اليوم.
وَقَد عثرت أخيراً عَلَى جدول بيانات يحوي توقعات الأمم المتحدة للتعدادات السكانية كُنْت قَد احتفظت بِهِ فِي 2015. وتوقع الجدول حينها أن يبلغ عدد سكان العالم 11.2 مليار نسمة بحلول 2100. لكن الأمم المتحدة تتوقع بلوغ تعداد السكان رقماً أقل من ذَلِكَ بمليار نسمة. لذلك، يضطر الإحصائيون إِلَى عكس استنباطاتهم، ويكون هَذَا بدرجة كبيرة فِي بَعْضِ الأماكن. وَإِذَا كَانَ نمو عدد السكان مقلقاً، فالبديل يَبْدُو عَلَى القدر نفسه من الخطر عَلَى الأَقَلِّ.
وعندما نلقي نظرة إِلَى معدلات الخصوبة، سنجد أَنَّهَا كَانَت منخفضة وآخذة فِي التراجع فِي اليابان وإيطاليا طيلة 20 عاماً، فِيمَا تنخفض فِي كل الأنحاء حالياً عَلَى مَا يَبْدُو. وتكشف الأرقام الصادرة عَنْ البنك الدَّوْلِي أن متوسط معدل الخصوبة العالمي فِي 1963 بلغ ذروته عِنْدَ 5.3 أطفال لِكُلِّ امرأة. لكن هَذَا المعدل يقل حالياً عَنْ 2.3 طفيفاً، وسيسفر أي رقم دون 2.1 عَنْ انخفاض تعداد السكان.
وينبع قدر کَبِير من التباطؤ من الأسواق الناشئة. لَقَدْ انخفضت المعدلات فِي الهند من 6 إِلَى 2 عَلَى مَدَى هَذِهِ الفترة. وتتبع أفريقيا جنوب الصحراء المسار المنخفض ذاته. وبالنسبة لشرق آسيا، فقد هوى المعدل من 7.5 فِي 1963 إِلَى 1.5، مَا يشي بانخفاض بالغ فِي تعداد السكان.
وهناك مجموعة كبيرة من الافتراضات بِشَأْنِ معدلات الخصوبة. ويعتقد البعض أَنَّهَا تعود إِلَى الثقافة أَوْ الدين، ويرى آخرون أن سن الزواج وتبني وسائل منع الحمل يعتبر أكثر تأثيراً. ويؤمن الكثيرون أن معدلات الخصوبة فِي المملكة المتحدة، الَّتِي تسلك مساراً هابطاً، تحددها فِي الأساس المقدرة عَلَى تحمل تكاليف السكن ورعاية الأطفال. لكن معدلات الخصوبة سجلت مستويات أقل فِي ألمانيا وإيطاليا، عَلَى الرغم من أن أثمنة المنازل وتكاليف رعاية الأطفال هُنَاكَ أرخص من المملكة المتحدة.
فِي النهاية، تميل معدلات الخصوبة إِلَى أَنَّ تكون أعلى عِنْدَمَا يكون الناس أكثر فقراً، وتنخفض فِي حالة الثراء، لَا سيما عِنْدَمَا تتحسن فرص تعليم الإناث وعملهن. نتيجة ذَلِكَ، ودون الهجرة، سيشيخ السكان وينكمشون. وسيتوجب حينها عَلَى عدد أقل من دافعي الضرائب فِي سن العمل أن يدعموا عَدَدًاً أكبر من كبار السِنْ المتقاعدين.
وَمِنْ أجل التعرف عَلَى تداعيات ذَلِكَ، سيتعين عَلَى المرء زيارة اليابان الَّتِي انخفض فِيهَا معدل الخصوبة دون مُسْتَوَى الإحلال طيلة عقود مَعَ تبنيها فِي الوقت ذاته سياسات تفادت الهجرة. وشخصياً، كُنْت فِي زيارة إِلَى تاكاياما مُنْذُ بضعة أعوام، وَهِيَ مدينة قديمة حفظت بصورة جميلة وتقع فِي محافظة غيفو الجبلية. وسرعان مَا بدا جلياً لِي أن المدينة بنيت مِنْ أَجْلِ تعداد سكاني أكبر بنحو الربع. وَقَد رأيت فِي المدينة الكثير من كبار السِنْ اللطفاء، لكنني لَمْ أر سوى عدد محدود للغاية من الأطفال.
وَحَسَبَ تفسير بول مورلاند فِي كتابه الأَخِير «لَمْ يتبق أحد»، نما تعداد السكان فِي اليابان إِلَى أكثر من 100 مليون نسمة فِي ستينيات القرن الماضي، لكنه سينخفض دون هَذَا المُسْتَوَى فِي خمسينيات القرن الحالي. وطوال فترة ازدياد السكان، كَانَ هُنَاكَ تسعة أشخاص يدعمون كل متقاعد، لكن لَنْ يكون هُنَاكَ دعم سوى من شخص ونصف فَقَطْ لِكُلِّ متقاعد مَعَ تواصل انخفاض السكان.
كذلك فِي الصين تشي أرقام البنك الدَّوْلِي بصورة أكثر قتامة. فقد كَانَت نسبة المتقاعدين فِي 1974 واحداً مِنْ بَيْنِ كل 25 شخصاً، لكن هَذِهِ النسبة ستصبح واحداً مِنْ بَيْنِ كل ثلاثة بعد 30 عاماً. وبحلول عام 2100، لَنْ يكون هُنَاكَ سوى شخص عامل واحد لِكُلِّ متقاعد.
لكن، مَا تداعيات هَذِهِ التوجهات عَلَى المستثمرين فِي الأسهم؟
سينكمش إجمالي عدد المُوَظَّفِينَ الجدد عَلَى مَدَى العشرين عاماً المقبلة وأكثر. وَلَمْ تظهر هَذِهِ القلة القليلة من المُوَظَّفِينَ الجدد فِي اليابان قدرة كبيرة عَلَى التفاوض مِنْ أَجْلِ زيادة أجورهم، فِيمَا تبدو الأمور مختلفة فِي المملكة المتحدة، حَيْتُ اسمع قصصاً عَنْ بدء أكبر مكاتب المحاماة فِي لندن دفع أجور تتخطى حاجز 100.000 جنيه استرليني للموظف.
وستكون الشركات الَّتِي تضم عَدَدًاً أقل من المُوَظَّفِينَ لِكُلِّ دولار أقل عرضة لضغوط الأجور. ويقودنا ذَلِكَ إِلَى قطاع التكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، توظف «أبل» 161.000 شخص، وتعتمد عَلَى مصادر تعهيد خارجي فِي عمليات تصنيع الأجهزة. وبالمثل، توظف شركة أدوبي للبرمجيات 30.000 شخص فَقَطْ.
أمازون هِيَ الاستثناء فِي قطاع التكنولوجيا، حَيْتُ تقوم بتنفيذ عمليات التوصيل الخَاصَّة بِهَا. لذلك، توظف الشركة أكثر من 1.5 مليون شخص حول العالم، وَهُوَ عدد مماثل لِعَدَدٍ موظفي الخدمات الصحية الوَطَنِية فِي المملكة المتحدة وجيش التحرير الشعبي الصيني. وثمة شركات تجزئة أُخْرَى، مثل محلات البقالة فِي المملكة المتحدة، لديها عدد کَبِير من المُوَظَّفِينَ لكن هوامش ربحها منخفضة، مِمَّا يجعلها حساسة للغاية لضغوط الأجور.
يَعْنِي ذَلِكَ أَنَّهُ ستكون هُنَاكَ ضغوط اقتصادية ضخمة مِنْ أَجْلِ تبني الأتمتة. سيلعب الذكاء الاصطناعي دوراً فِي ذَلِكَ دونما شَکَّ، وَلَيْسَ فَقَطْ بِوَاسِطَةِ «تشات شي بي تي» والذكاء الاصطناعي التوليدي، وإنما مِنْ خِلَالِ إتاحة الكفاءة فِي قطاعات شديدة الاعتماد عَلَى العمالة مثل الخدمات الحكومية. ويبدو أن لَدَى شركات مثل «اكسنتشر»، وَالَّتِي بإمكانها دعم تبني الذكاء الاصطناعي دَاخِل المؤسسات، فرصاً كبيرة لِأَنَّ تشهد طلباً أكبر عَلَى استشاراتها فِي الأعوام المقبلة.
سيعزز تقدم عمر السكان الطلب عَلَى الرعاية الصحية والحاجة إِلَى أَنَّ تكون الخدمات أكثر إنتاجية فِي تَوْفِير هَذِهِ الرعاية. وَتَشْمَلُ الشركات الرائدة فِي أتمتة خدمات الرعاية الصحية، شركة داناهر للتشخيصات، وَكَذَا «سيرنر» لإدارة سجلات المرضى وتملكها «أوراكل» فِي الوقت الراهن، فَضْلًاً عَنْ «سيمنز هيلثنيرز» لتصنيع أجهزة الأشعة، إِلَى جانب شركات ذات خدمات شاملة مثل «فيلبس هيلث كير».
وَلَيْسَ بمقدوري تحديد شكل أداء أي من هَذِهِ الشركات فِي الأسابيع المقبلة، لكنها موجودة فِي قائمة «الشركات المرشحة لمحفظتي» وتستحق النظر فِي إمكاناتها عَلَى المدى الطويل. عموماً، فإنني أخشى أنني سأحتاج إِلَى الكثير من الأرباح لتمويل تكاليف دار الرعاية الَّتِي سأدخلها يوماً مَا.
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا