تحديات اقتصادية في تونس.. لماذا خفّض البنك الدولي توقعات النمو؟

يعيش الاقتصاد التونسي تحديات اقتصادية كبيرة، كَانَ أحدثها إعلان البنك الدَّوْلِي خفض توقعاته للنمو فِي عام 2024 إِلَى 2.1%، نزولاً من 4.2% كَانَ قَد توقعها فِي فبراير الماضي، مَا يثير القلق بِشَأْنِ قدرة تونس عَلَى تحقيق الاستقرار والنمو وسط الأزمات المتصاعدة.

تأتي هَذِهِ التوقعات بالتزامن مَعَ تدهور المؤشرات الاقتصادية الصادرة عَنْ المعهد الوطني للإحصاء، حَيْتُ يظهر تباطؤ النمو خِلَالَ الربع الأول من العام الجاري إِلَى 0.2%، مقارنة بنسبة 1.1% فِي الفترة نفسها من العام الماضي.

كَمَا سجل قطاع البناء والتشييد انكماشاً جديداً بنسبة 6.8%، وتراجعت القيمة المضافة للقطاع الصناعي بنسبة 0.5%، وَلَمْ يتجاوز النمو خِلَالَ النصف الأول من العام 0.6%.

أسباب خفض التوقعات

ويرى خبراء الاقتصاد أن توقعات البنك الدَّوْلِي تعكس مخاوف حقيقية بِشَأْنِ استقرار الاقتصاد التونسي، إِذْ تضافرت عدة عوامل اقتصادية وسياسية أدَّتْ إِلَى هَذَا الخفض الكبير.

من أبرز هَذِهِ العوامل سياسة «الاعتماد عَلَى الذات» الَّتِي ينتهجها الرئيس التونسي قيس سعيد، حَيْتُ تعتمد هَذِهِ السياسة عَلَى تقليص الاعتماد عَلَى القروض الخارجية. وَعَلَى الرغم من نجاحها فِي خفض الديون الخارجية، إلَّا أَنَّهَا أدَّتْ إِلَى زيادة الدين الداخلي، إِلَى مستويات باتت تهدد المؤسسات المالية المحلية، مِمَّا انعكس سلباً عَلَى تباطؤ النمو الاقتصادي، وِفْقًاً للباحثة ألفة السلامي.

ويشدد الرئيس التونسي عَلَى عدم الاقتراض من صندوق النقد الدَّوْلِي بِسَبَبِ شروطه الإصلاحية، الَّتِي تتضمن رفع منظومة الدعم تدريجياً، خشية أن يؤدي ذَلِكَ إِلَى اضطرابات اجتماعية فِي البلاد. وَمَعَ ذَلِكَ، تعتبر هَذِهِ القروض بمثابة شهادة ثقة دولية فِي قدرة الاقتصاد التونسي عَلَى مواصلة النمو.

كَمَا يعود ضعف الأداء الاقتصادي فِي تونس، بِحَسَبِ حديث السلامي لـ«إرم بزنس»، إِلَى ارتفاع معدلات الفائدة من 6.25% فِي عام 2021 إِلَى 8% فِي يوليو 2024. وَقَد أثر ذَلِكَ بِشَكْل سلبي عَلَى معدلات النمو عبر تقليص الاستهلاك المرتبط بارتفاع أقساط القروض الاستهلاكية، بالإِضَافَةِ إِلَى زيادة تكلفة القروض المخصصة للاستثمار، مِمَّا أحدث تباطؤاً اقتصادياً وجعل الوضع أقرب إِلَى الركود الاقتصادي.

ضغوط مالية متزايدة

بالإِضَافَةِ إِلَى المؤشرات السابقة، ترى السلامي أن تونس تعاني من ضغوط مالية متزايدة أثقلت كاهل الاقتصاد، إِذْ تشير إِلَى استمرار التحديات الناتجة عَنْ زيادة معدلات الدين المحلي وَالَّتِي من المقرر أن تتضاعف فِي مشروع قانون موازنة عام 2025؛ مَا يؤدي إِلَى نقص فِي تمويل المشاريع الحيوية وعجز متفاقم فِي الميزانية العامة.

وَعَلَى مدار السنوات الأخيرة، شهدت تونس ارتفاعاً كَبِيرًاً فِي حجم القروض الداخلية والخارجية، لِتَصِلَ نسبتها إِلَى نَحْوَ 80% من الناتج المحلي الإجمالي، مِمَّا يزيد من الأعباء عَلَى الموازنة العامة.

مشروع موازنة تونس 2025.. ضغوط ضريبية وأزمة ديون قادمة

مشروع موازنة تونس 2025.. ضغوط ضريبية وأزمة ديون قادمة

وتظهر بيانات البنك المركزي ارتفاع خدمة الدين الخارجي بنسبة 46.6%، حَيْتُ قفزت من 7 مليارات دينار (2.27 مليار دولار) فِي سبتمبر 2023 إِلَى حوالي 10.3 مليار دينار 3.34 مليار دولار) حالياً.

بَيْنَمَا تشير أرقام معهد الإحصاء التونسي إِلَى ارتفاع نسبة الديون الداخلية لتشكل 25% من إجمالي الدين العام خِلَالَ النصف الأول من العام الجاري، وتزايد إجمالي الديون الداخلية والخارجية بنسبة 6.5% لِيَصِلَ إِلَى نَحْوَ 42 مليار دولار.

وتتوقع الحكومة أن يصل إجمالي الدين العام خِلَالَ العام الجاري إِلَى نَحْوَ 140 مليار دينار (45.34 مليار دولار)، مَا يعادل نَحْوَ 79.8% من الناتج المحلي الإجمالي، ارتفاعا من 127 مليار دينار (41.13 مليار دولار).

تبني إصلاحات هيكلية

وَمِنْ بَيْنَ أسباب ضعف النمو الاقتصادي، بِحَسَبِ السلامي، تأخر الحكومة فِي تبني إصلاحات اقتصادية هيكلية، مِمَّا انعكس سلباً عَلَى ثقة المؤسسات الدولية فِي إمكانية تحقيق نمو اقتصادي قوي ومستدام.

وَعَلَى الرغم من الوعود بالإصلاح، لَا يزال هُنَاكَ بطء فِي تنفيذ السياسات الضرورية لدعم الاقتصاد، ومنها محاربة الفساد، وَإِعَادَةِ هيكلة المؤسسات الأهلية، وزيادة الاستثمارات العامة.

كَمَا تظهر توقعات البنك الدَّوْلِي عدم ارتياحه للوضع السياسي والاقتصادي الراهن فِي تونس فِي ظل غياب إستراتيجيات واضحة وجادة للإصلاح الاقتصادي، مَا يمكن أن يؤثر عَلَى ثقة البنك ويزيد من حالة التردد بِشَأْنِ المستقبل، وفق الخبير الاقتصادي وليد الحاج.

ويتوقع الحاج، فِي حديث لـ«إرم بزنس»، أن يواصل الرئيس قيس سعيد الَّذِي فاز بولاية ثانية لمدة 5 سنوات فِي الانتخابات الَّتِي جرت فِي السادس من أكتوبر الماضي، استكمال برنامج الإصلاح السياسى والاقتصادي الَّذِي تبناه خِلَالَ ولايته الأُوْلَى، عبر سياسته الرافضة للجوء إِلَى الاقتراض الخارجي، ورغم أَنَّهُ يعتبر ذَلِكَ أمراً جَيِّدًاً، لكنه فِي ظل غياب خطط اقتصادية واضحة، نتج عَنْ ذَلِكَ ضعف الأداء الاقتصادي.

وَبِحَسَبِ الخبير الاقتصادي، فَإِنَّ البنك الدَّوْلِي يتعامل بحذر مَعَ الأوضاع الاقتصادية فِي تونس، وَذَلِكَ بِسَبَبِ عدم وضوح التوجهات الحكومية إزاء إصلاحات مالية وهيكلية هامة، لَا سيما وَأَن الاقتصاد التونسي يفتقر إِلَى العوامل المحفزة للنمو، مَا يُضعف جاذبيته للمُؤَسَّسَاتِ المالية الدولية.

موازنة تونس 2025.. هل يكون البنك المركزي الحل والأزمة؟

موازنة تونس 2025.. هل يكون البنك المركزي الحل والأزمة؟

مِنْ جَانِبٍ آخَر، يشير وليد الحاج إِلَى أَنَّ تراجع النمو الاقتصادي يعكس انخفاض الثقة فِي البيئة الاستثمارية، حَيْتُ بَاتَ الاستثمار الأجنبي والمحلي فِي حالة تراجع، مَا يزيد من تحديات الاقتصاد ويعمق من أزمة البطالة الَّتِي ارتفعت من 15.3% سنة 2021 إِلَى 16.2% سنة 2024، كَمَا إِرْتَفَعَ عجز الميزانية العمومية عِنْدَ مُسْتَوَى 7.7%.

تداعيات توقعات خفض النمو

وبالنسبة للحاج، فَإِنَّ خفض البنك الدَّوْلِي لتوقعات النمو لَا يعد مجرد خطوة تحليلية، بَلْ يمثل تحذيراً من المخاطر الَّتِي تترتب عَلَى استمرار الوضع الاقتصادي الحالي، حَيْتُ إن لِهَذَا القرار تداعيات متعددة، مِنْهَا انخفاض ثقة المستثمرين، حَيْتُ يُعتبر تعديل البنك الدَّوْلِي لتوقعات النمو مؤشراً قوياً يُراقبه المستثمرون، مَا قَد ينعكس فِي انخفاض حجم الاستثمارات الأجنبية، فِي وقت تحتاج فِيهِ تونس بشدة إِلَى جذب رؤوس الأموال لتحفيز النمو ودعم سوق العمل.

ويرجح أن يؤدي ذَلِكَ إِلَى زيادة أعباء الدين العام، حَيْتُ يتوقع أن يضعف هَذَا التخفيض من قدرة الحكومة عَلَى جذب التمويلات الدولية بشروط ميسرة، مَا قَد يدفعها نَحْوَ استدانة بشروط أقل ملائمة، وَهُوَ مَا سيزيد من تفاقم أزمة الدين العام المحلي. بالإِضَافَةِ إِلَى أَنَّ ضعف النمو الاقتصادي يؤثر بِشَكْل مباشر عَلَى مُسْتَوَى معيشة المواطن، حَيْتُ تتراجع فرص العمل وتتزايد معدلات التضخم، مَا يؤدي إِلَى تفاقم الأزمة الاجتماعية ويؤثر عَلَى الاستقرار الاقتصادي.

إصلاحات فورية

مواجهة هَذَا الوضع يتطلب إصلاحات فورية وإجراءات جادة من شَأْنِهَا أن تُعيد الثقة الدولية والمحلية، وَمِنْ بَيْنَ الحلول الَّتِي يقترحها الحاج، تعزيز الإصلاحات الهيكلية، حَيْتُ يَجِبُ عَلَى الحكومة الإسراع فِي تنفيذ إصلاحات جوهرية فِي قطاعات المالية والاستثمار لِتَحْسِينِ بيئة الأعمال وزيادة جاذبية تونس للاستثمارات.

كَمَا تَشْمَلُ المقترحات أيضًاً ضرورة أن تضع الحكومة إستراتيجية طويلة الأمد لإدارة الدين العام وتقليص العجز المالي وتنويع مصادر التمويل دون اقتصاره عَلَى المؤسسات المحلية، بِمَا يخفف من الضغوط المالية ويعزز من قدرة الدولة عَلَى تنفيذ مشاريع تنموية.

وباعتقاد الحاج، فَإِنَّهُ قَد حان الوقت لخفض معدلات الاستدانة الداخلية، مشيراً إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الحكومة تعزيز التعاون مَعَ مؤسسات التمويل الدولية، إِذْ يمكن لتونس استقطاب الدعم الفني والمالي للمساهمة فِي استعادة الاستقرار الاقتصادي، وتجنب الأزمات المالية المستقبلية.

ويرى أن تراجع اعتماد تونس عَلَى التمويل الخارجي بِشَكْلٍ مطّرد نظرًا إِلَى غياب أي اتفاق مَعَ صندوق النقد الدَّوْلِي، أدّى ارتفاع وتيرة الاقتراض المحلّي إِلَى مزاحمة القطاع الخاص؛ لِأَنَّ توسع الدولة فِي الاستدانة الداخلية، يزيد من الضغوط عَلَى السيولة دَاخِل المؤسسات المالية المحلية؛ مِمَّا يفاقم الركود الاقتصادي.

عَنْ الموقع

ان www.zoom32.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع المالية والاقتصادية وَكَذَا اعلانات الوظائف,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية الادارية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها الباحث عَنْ فرص الاستثمار سَوَاء كَانَت فِي ارض الواقع او عبر الانترنت ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِاي مؤسسة مالية.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *