بعد تعيين مدراء مؤقتين على المصارف الأربعة: متى المحاسبة؟

ويتضح مِنْ خِلَالِ آراء خبراء قانونيين أن مصرف لبنان يَعْتَمِدُ مَعَ المصارف المتعثرة سياسة “المعالجة غير المضمونة” وَلَيْسَ “المحاسبة”. ليبقى السؤال هل من جدوى لتعيين مدراء مؤقتين عَلَى بعض المصارف المتعثرة؟ مَا هِيَ معاييير اختيار المدراء المؤقتين وماذا بعد تعيينهم؟

مدراء مؤقتون
مِنْ بَيْنِ عشرات المصارف المتخلفة عَنْ سداد الودائع والمرتبطة أسماء الكثير مِنْهَا بشبهات فساد وتبييض اموال وورود بعضها فِي قضايا محلية ودولية، أحال مصرف لبنان مصرفين صغيرين إِلَى الهيئة المصرفية العُلْيَا لمخالفتهما تعاميمه، وَلَيْسَ لأي ارتكابات أُخْرَى. كف يد مجلسي إدارتيهما وعيّن مديرين مؤقتين عليهما.

اختار مصرف لبنان عام 2022 سعد العنداري مديراً موقتاً عَلَى فيدرال بنك، وشربل عبدالله مبارك مديراً مؤقتاً عَلَى بنك البركة الإسلامي، ثُمَّ تبع تِلْكَ الخطوة بتعيين سمير حمود مديراً مؤقتاً عَلَى بنك الاعتماد الوطني بالعام نفسه. وَكَانَ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قَد أمهل آنذاك مصارف أُخْرَى لتسوية أوضاعها قبل صدور قرار الهيئة المصرفية العُلْيَا بتعيين مدير مؤقت عَلَيْهَا.

ورغم خروج سلامة من مصرف لبنان وفتح الحاكم بالإنابة وسيم منصوري صفحة جديدة فِي المصرف المركزي، وتسويقه لسياسة نقدية جديدة، غير أَنَّهُ استمر بالآلية نفسها الَّتِي اعتمدها سلفه مَعَ المصارف، والقائمة عَلَى سياسة “المعالجة لَا المحاسبة”، فعمدت الهيئة المصرفية العُلْيَا إِلَى تعيين محمد البعاصيري مديراً موقتاً عَلَى بنك الاعتماد المصرفي.

لَا معايير محدّدة لتعيين مدير مؤقت عَلَى مصرف مخالف أَوْ متعثر، باستثناء سمعته وسيرته العملية. غير أن مصدراً مصرفياً يستغرب فِي حديث لـ”المدن” تعيين محمد بعاصيري، الَّذِي يشوب اسمه الكثير من علامات الاستفهام، ويصف مصدر آخر بعاصيري بالقول: “إِنَّهُ لَا سُمعة وَلَا صيت حسن كَمَا لَمْ يواكب التطور التكنولوجي المطلوب اليوم بالعمل المصرفي”.

ويشرح الخبير المصرفي خالد شاهين فِي حديث لـ”المدن” دور المدير المؤقت، بالقول “هُوَ دور مبدئي تمهيدي وَلَيْسَ نهائياً، فالمدير المؤقت عَلَيْهِ وقف العمليات وكف يد مجلس الإدارة” أَمَّا المطلوب مِنْهُ، حَسَبَ شاهين، فيقتصر عَلَى إعداد تقرير عَنْ وضع المصرف، يورد فِيهِ رأيه بِشَأْنِ أهلية المصرف للاستمرار، من ثُمَّ الانتقال إِلَى لجنة جديدة تعد دراسة مالية ودراسة عملانية وتقارير مفصلة.

باختصار، فَإِنَّ مرحلة وضع اليد عَلَى المصرف ليست مرحلة نهائية، إنما هِيَ مرحلة أولية تَهْدِفُ إِلَى دراسة وضع المصرف لِتَحْدِيدِ مَدَى قدرته عَلَى الاستمرار بعد المعالجة. وبالنظر إِلَى الأَسْمَاء الَّتِي تمَّ تعيينها بالمصارف الأربعة تتّضح سياسة مصرف لبنان إزاء المصارف المتعثرة ومحاولة إنقاذها، مهما بلغت مرحلة تدهورها.

استنسابية مصرف لبنان
اعتمد مصرف لبنان مِنْ خِلَالِ تعيين مدراء مؤقتين عَلَى المصارف الأربعة سياسة المعالجة، مستنداً عَلَى مخالفتها تعاميمه، وَلَيْسَ لأنها بحالة تعثر أَوْ توقف عَنْ السداد. وَالبِتَّالِي، لَمْ يطبق عَلَيْهَا القوانين المعنية بِهَذِهِ الحالات 2/67 والقانون 110/91 بَلْ اعتمد احكام المادة 208 من قانون النقد والتسليف. فما الفارق بَيْنَ الحالتين؟

يوضح المحامي الدكتور المتخصص بالرقابة عَلَى المصارف المركزية، باسكال ضاهر، فِي حديث إِلَى “المدن”، أن احكام المادة 208 من قانون النقد والتسليف أشارت إِلَى حق المصرف المركزي بفرض تعيين مدير مؤقت عَلَى مطلق مصرف، حال تبين لَهُ أَنَّهُ قَد خالف أحكام نظامه الأساسي أَوْ أحكام قانون النقد والتسليف أَوْ التدابير الَّتِي فرضها المصرف المركزي بمقتضى سلطاته عَلَى القطاع، أَوْ فِي حال قدم المصرف المعني بيانات أَوْ معلومات ناقصة أَوْ غير مطابقة للحقيقة. وَقَد يتدرج سلم العقوبات الإدارية هَذِهِ من التنبيه إِلَى تخفيض تسهيلات التسليف المعطاة لَهُ أَوْ تعليقها إِلَى منعه من القيام ببعض العمليات، أَوْ فرض أية تحديدات أُخْرَى فِي ممارسته المهنة، وصولاً إِلَى تعيين مراقب أَوْ مدير موقت قبل شطبه من لائحة المصارف.

ويوضح ضاهر، أن هَذِهِ السلطة الَّتِي تمنحها المادة 208 للمركزي تعتبر مِنْ أَهَمِّ الضوابط الَّتِي يحوزها عَلَى القطاع المصرفي. وترمي بطبيعتها إِلَى إعادة ضبط إدارة المصرف الواقع عَلَيْهِ العقوبة، وَإِعَادَةِ تنظيمه بهدف إتمام مهمته بالحفاظ عَلَى الائتمان، أي تسديد الودائع وِفْقًاً للعقود الموقعة مَعَ موديعيه. وَذَلِكَ يتم مِنْ خِلَالِ عزل الإدارة السابقة وتعيين مدير يعمل تحت أعين الجهات الناظمة، بهدف قيام عمل مصرفي سليم.

“وَمِنْ هُنَا نرى أَنَّهُ كَانَ باستطاعة المركزي ان يفرض عَلَى المصارف، لَا أن يحثها عَلَى إعادة تكوين رأسمالها، تحت طائلة رفع لواء المادة 208 بحق كل مخالف أَوْ متعثر مِنْهُمْ. إلَّا أن هَذَا لَمْ يحصل”، يقول باسكاال ضاهر.

تابع: “انطلاقاً من وضوح أحكام المادة 208 وغايتها، فَإِنَّ السؤال الأساسي هُنَا، لِمَاذَا استنساب المركزي بِهَذَا الإجراء لمصرف دون سائر المصارف، طالما أن المصارف العاملة قَد خالفت أحكام المادة 121 من قانون النقد والتسليف، إضافة إِلَى المادة 123 مِنْهُ، المعطوفة عَلَى المادة 307 من أحكام قانون التجارة؟

تهاون مصرف لبنان!
أَمَّا رَئِيس لجنة الدفاع عَنْ حقوق المودعين فِي نقابة المحامين فِي بيروت، المحامي كريم ضاهر، فيميز فِي حديثه إِلَى “المدن” بَيْنَ القوانين الَّتِي من المفترض تطبيقها بحالة المصارف المتعثرة، وبين مَا تمَّ تطبيقه فعلياً من قبل مصرف لبنان. ويوضح بِأَنَّ “هُنَاكَ وجهتين للإجراءات الَّتِي يَجِبُ اتخاذها بحق المصارف المتعثرة والمخالفة والمتوقفة عَنْ الدفع، أحدهما طويل الأمد والآخر فوري وحاسم”.

“بِالنِسْبَةِ إِلَى التوجه الأول، فهو الإجراء الناتج عَنْ القوانين المصرفية الَّتِي أقرت بعد إعلان افلاس بنك انترا عام 1967. وَهُمَا القانون 2/67 والقانون 28 /67 الَّذِي تمَّ تعديله عام 1991، حين أَصْبَحَ 110/91. هَذِهِ القوانين خاصة بحالات التعثر وعدم التمكن من متابعة العمل. وإلى جانب هَذِهِ الاجراءات، هُنَاكَ إجراء عادي يتخذ بحق المصارف المخالفة من دُونَ أَنْ تكون متعثرة أَوْ منقطعة عَنْ السداد أَوْ عاجزة عَنْ متابعة مهامها. وهذه يرعاها قانون النقد والتسليف، خُصُوصًاً المادة 208. من هُنَا يتم الاستناد إِلَى هَذِهِ المادة. ولذلك نرى أَنَّهُ تمَّ تحويل المصارف المذكورة عَلَى المادة 208 من قانون النقد والتسليف”.

هَذِهِ المادة فِيهَا عدة تدابير، تبدأ من التنبيه وتنتهي بشطب المصرف وما بينهما عدة خطوات، مِنْهَا الخطوة مَا قبل الاخيرة تعييين مدير مؤقت لإدارة المصرف، وكف يد مجلس الادارة. وهذه تحددها الهيئة المصرفية العُلْيَا برئاسة حاكم مصرف لبنان. حينها قَد ينتظر الحاكم سنة أَوْ سنتين أَوْ أكثر. فالأمر يرجع لقراره باستنسابية تَطْبِيق قانون النقد والتسليف.

لكن، حَسَبَ ضاهر، الحالة ليست حالة مخالفة تعاميم “فرياض سلامة كَانَ قَد حول المصارف الـ3 لمخالفتهم تَطْبِيق تعاميمه، وَلَيْسَ لأنهم بحالة تعثر أَوْ توقف عَنْ السداد. وَلَكِن كل المصارف من مطلع شهر تشرين الثاني عام 2019 هِيَ بحالة توقف عَنْ السداد وعدم إمكانية متابعة أعمالها. وَهُوَ مَا يقتضي اتخاذ تدابير خاصة بحقها، إما بوضع يد مصرف لبنان عَلَى المصارف وتوكيل مؤسسة ضمان الودائع بالموضوع إِلَى حِينِ تعويض المودعين (مَعَ الاشارة إِلَى أَنَّ التعويض حالياً زهيد جداً: 75 مليون ليرة) أَوْ برفع السرية المصرفية وتبديل كل أعضاء مجلس الإدارة لِكُلِّ مصرف ورؤساء مجلس الادارة ومفوضي المراقبة. وهنا لَا بُدَّ مِنْ الاشارة إِلَى انه بتطبيق المادة 208 لَا يتم تَطْبِيق أي عقوبات عَلَى المصرف. أَمَّا المادة 2/67 والـ110/91 فتفرض المحاسبة عَلَى المصارف، وَهُوَ مَا لَا يُرِيدُ مصرف لبنان أن يحصل لأنه سيفلسها وتضيع اموال المودعين”.

لَا جدوى
لَدَى منصوري رؤيته لِهَذَا الموضوع ويمكن احترامها، يقول كريم ضاهر، وإن لَمْ نكن نشاركه بِهَا، لِأَنَّ بالقانون 2/67 يمكن أيضًاً حفظ الودائع لأنها ستذوب حَسَبَ الوضع الراهن.

لَدَى مصرف لبنان مبرراته لاعتماد الأسلوب المذكور، ولديه قناعة بِهِ وَهُوَ يستهدف عدم ضرب القطاع المصرفي، عَلَى أمل تَغْيير إدارته تدريجياً. لكن برأي كريم ضاهر “يَجِبُ تَطْبِيق القوانين المصرفية بِشَكْل فوري. وَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ المباشرة بتطبيق القوانين عَلَى بعض المصارف لدفع الباقين إِلَى القبول بأي حلول عملية لِإِعَادَةِ الهيكلة أَوْ سواها”.

مَا يحصل اليوم لَا جدوى مِنْهُ، إلَّا فِي حال لَدَى نائب الحاكم معطيات وخطط للخروج من الأزمة فِي فترة وجيزة، إلَّا أن ضاهر لَا يرى فِيهَا نتيجة. فَلَا يمكن ببقاء الأشخاص أَنْفُسَهُمْ والمصارف نفسها والمناصب نفسها، أن تعود الثقة. لَا بَلْ إننا نرى أن هُنَاكَ تجاوزات مُنْذُ مَا قبل الازمة وما بعد الازمة، وَلَا بد من فتح باب التحقيقات، وإلا فنكون قَد أعطيناهم مجالاً لِتَحْقِيقِ مبتغاهم بنقل الديون عَلَى عاتق الدولة والتملص من مسؤولياتهم، هم وشركاؤهم السياسيين.

عَنْ الموقع

ان www.zoom32.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع المالية والاقتصادية وَكَذَا اعلانات الوظائف,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية الادارية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها الباحث عَنْ فرص الاستثمار سَوَاء كَانَت فِي ارض الواقع او عبر الانترنت ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِاي مؤسسة مالية.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *