كيفية عمل النظام النقدي

مَا هُوَ النقد؟

حَتَّى نتمكن من فهم النظام النقدي لدولة الإمارات، من المهم فِي بادئ الأمر تَقْدِيم وصف لما نعنيه بـ “النقد”، وتحديد أنواعه المختلفة. وَفِي العادة، يمكن تَعْرِيف النقد وِفْقًاً لقدرته عَلَى تلبية الشروط الثلاثة التالية:

  • أن يكون وسيلة تبادل – يمكنها تسهيل تبادل السلع والخدمات والأصول الأخرى
  • أن يكون مخزناً للقيمة – أي أن قيمته مقابل السلع والخدمات لَا تتقلب بِشَكْل کَبِير بمرور الوقت
  • أن يعمل كوحدة حسابية – تستخدم كمقياس لِتَحْدِيدِ قيمة السلع والخدمات.

أَمَّا أول مَا قَد يتبادر إِلَى ذهن الشخص عِنْدَ ذكر النقد فهو الأوراق النقدية والعملات المعدنية “النقد المتداول” الَّتِي تلبي هَذِهِ الشروط الثلاثة. وَمَعَ ذَلِكَ، يمثل النقد المتداول جزءاً صَغِيرًاً نسبياً من الحجم الإجمالي لِجَمِيعِ الأموال ضمن النظام النقدي لدولة الإمارات. وَعَلَى سبيل المثال، يمثل إجمالي النقد المتداول والنقد المادي لَدَى البنوك عَلَى مَا نسبته 6.3% فَقَطْ من إجمالي الأموال فِي نهاية العام 2020.

أنواع النقد

إِلَى جانب شكلها المادي المعروف، تمثل النماذج الرقمية للنقد فِي شكل سند إقرار الدين النسبة العظمى من المعروض النقدي. وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الودائع فِي البنوك التجارية الَّتِي يحتفظ بِهَا الأفراد والشركات والحكومات، إضافة إِلَى ودائع البنوك التجارية والأصول ذات الصلة المحتفظ بِهَا فِي المصرف المركزي. وَمَعَ وضع هَذَا الواقع فِي الاعتبار، وَحَتَّى نتمكن من شرح النظام النقدي، يكون من الأهمية بمكان التمييز بَيْنَ أموال المصرف المركزي والأموال الموجودة لَدَى البنوك التجارية. ولتحقيق ذَلِكَ، يحدد المصرف المركزي الأنواع المختلفة التالية من الإجماليات النقدية:

القاعدة النقدية: يتم تعريفها بموجب المَرْسُوم بقانون اتحادي رقم (14) لِسَنَةِ 2018 عَلَى أَنَّهَا تَشْمَلُ مَا يأتي: (1) النقد المُصدر (النقد المتداول خارج البنوك والنقد المادي لَدَى البنوك)، (2) مجموع أرصدة الحسابات الجارية للمنشآت المالية المرخصة المودعة لَدَى المصرف المركزي، وَيَشْمَلُ ذَلِكَ الاحتياطي الإلزامي، بالإِضَافَةِ إِلَى أي أموال أُخْرَى مودعة لَدَى المصرف المركزي لأغراض عمليات المقاصة والتسوية، و(3) الرصيد القائم من الأوراق والأدوات المالية المصدرة من قبل المصرف المركزي.

ن1 – يَتَكَوَّنُ من النقد المتداول خارج البنوك، إضافة إِلَى الودائع النقدية بالعملة المحلية لَدَى البنوك (جميع الودائع قصيرة الأجل الَّتِي يمكن لعملاء البنوك سحبها دون إشعار مسبق).

ن2 – تَتَكَوَّنُ من عرض النقد (ن1)، يُضَافُ إِلَيْهِ الودائع شبه النقدية (ودائع الادخار ولأجل للمقيمين بالدرهم، إضافة إِلَى ودائع المقيمين بالعملات الأجنبية).

ن3 – يَتَكَوَّنُ من عرض النقد (ن2)، إضافة إِلَى الودائع الحكومية.

بِشَكْل عام، يمكن الإشارة إِلَى القاعدة النقدية عَلَى أَنَّهَا أموال المصرف المركزي، أي أَنَّهَا تقع تحت مسؤوليته. ووفقاً للتعريف الوارد أعلاه، يشمل ذَلِكَ النقد المُصدر (الأوراق النقدية والعملات المعدنية)، إِلَى جانب الأموال الَّتِي تحتفظ بِهَا البنوك التجارية لَدَى المصرف المركزي، وَالَّتِي تستخدم كوسيلة لتبادل المعاملات مَا بَيْنَ البنوك، وَيُشَارُ إِلَيْهَا عادة باسم الاحتياطيات المصرفية (الأموال الاحتياطية). وَيَشْمَلُ أيضًاً أية أوراق مالية أَوْ التزامات أُخْرَى صادرة عَنْ المصرف المركزي، مثل الأذونات النقدية.

فِي المقابل، يقصد بالودائع المعرفة ضمن فئات (ن1) و(ن2) و(ن3) بأموال البنوك التجارية. وعموماً، قَد يطلق أيضًاً عَلَى (ن1) و(ن2) و(ن3) اسم النقد بمعناه الواسع. وَفِي الاقتصاد الحديث، يتجاوز مخزون أموال البنوك التجارية مخزون الأموال لَدَى المصرف المركزي بأضعاف عديدة. وَعَلَى سبيل المثال، بلغت القاعدة النقدية 427 مليار درهم فِي نهاية عام 2020، فِي حين بلغ عرض النقد(ن3) من 1.8 تريليون درهم. وهذا يَعْنِي أن مخزون الأموال فِي شكل ودائع لَدَى البنوك التجارية (سَوَاءً من قبل الأفراد أَوْ الشركات أَوْ الحكومة)، يمثل النسبة العظمى من الأموال فِي اقتصاد دولة الإمارات.

كَيْفَ يتم إنشاء النقد؟

مَعَ الأخذ بعين الاعتبار التعريف أعلاه بَيْنَ أموال المصرف المركزي وأموال البنوك التجارية، يُمْكِنُنَا الآن وصف عملية إنشاء النقد. ويمكن إنشاء أموال البنوك التجارية فِي شكل ودائع مصرفية، عِنْدَمَا يقوم فرد أَوْ شركة بإيداع أموال اكتسبها فِي أحد البنوك التجارية. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ هَذَا يترك إجمالي مخزون النقد من دون تَغْيير، لِأَنَّ عميل البنك التجاري يقوم ببساطة بتبادل نوع واحد من النقد بآخر. ويمكن للبنوك التجارية أيضًا إنشاء ودائع عَنْ طَرِيقِ تَقْدِيم قروض مصرفية. وينشأ هَذَا مِنْ خِلَالِ هوية محاسبية بسيطة. وعندما يقدم البنك التجاري قرضاً مصرفياً، فَإِنَّهُ يقيد مبلغاً فِي حساب وديعة المقترض بِمَا يماثل حجم القرض المصرفي الممنوح. وَعَلَى سبيل المثال، عِنْدَمَا يحصل شخص مَا عَلَى قرض لشراء سيارة بِقِيمَة 50,000 درهم، يكون التأثير عَلَى الميزانية العمومية للبنك التجاري عَلَى النحو التَّالِي:

تأثير الاقتراض عَلَى الميزانية العمومية للبنك التجاري

الخصوم

الأصول

قرض السيارة (+50,000 درهم)

رصيد العميل من الودائع (+50,000 درهم)

وكما هُوَ موضح أعلاه، يزداد كل من الأصل (القرض) والخصم (الرصيد) فِي الميزانية العمومية للبنك التجاري عِنْدَمَا يتم تَقْدِيم قرض السيارة. وبناءً عَلَى هَذَا التعريف المحاسبي، فقد أَدَّى القرض الجديد إِلَى زيادة إجمالي عرض النقد. وَحَتَّى فِي حال تحويل الوديعة إِلَى بنك تجاري آخر لتسهيل دفع ثمن السيارة، فسيظل هَذَا التأثير قائماً عَلَى إجمالي عرض النقد. فِي المقابل، عِنْدَمَا يتم سداد القرض فَإِنَّ ذَلِكَ يقلل من الخصوم فِي شكل رصيد العميل من الودائع، وَمِنْ الأصول فِي شكل مبلغ القرض المستحق. ونتيجة لذلك، تلعب عملية تَقْدِيم قروض ائتمانية دوراً مهماً للغاية فِي تحديد عرض النقد فِي الاقتصاد الحديث.

وَعَلَى ضوء مَا سبق، قَد يميل البعض للاعتقاد بِأَنَّ البنوك التجارية يمكنها إنشاء النقد من فراغ، مَعَ أن هُنَاكَ جانباً من الحقيقة فِي هَذَا الشأن. وَمَعَ ذَلِكَ، هُنَاكَ عَدَدُُ مِنَ العوامل الَّتِي تحدّ من مَدَى قدرة البنوك التجارية عَلَى الإقراض فِي الممارسة العملية، وَالبِتَّالِي من قدرتها عَلَى إنشاء النقد. وَمِنْ بَيْنَ هَذِهِ العوامل:

  • قوى السوق الَّتِي تحدّ من قدرة البنوك التجارية عَلَى تَقْدِيم قروض إضافية مربحة
  • اعتبارات البنوك التجارية المتعلقة بمخاطر تَقْدِيم قروض إضافية
  • القيود التنظيمية، مثل نسب السيولة الَّتِي يفرضها المصرف المركزي
  • الطلب عَلَى القروض من جانب الجمهور والحكومات
  • التغيرات فِي أثمنة الفائدة

ويتتبع المصرف المركزي هَذِهِ العوامل المختلفة فِي تحليله للأسواق المحلية. وَمِنْ الأمثلة عَلَى ذَلِكَ، التطورات فِي الحالة الائتمانية الَّتِي يغطيها المصرف المركزي مِنْ خِلَالِ استطلاع ثقة الائتمان.

وتختلف العملية الَّتِي يتغير بِهَا عرض النقد للمصرف المركزي (القاعدة النقدية). وبموجب هدف سياسته النقدية، يحافظ المصرف المركزي عَلَى سعر صرف ثابت للدرهم الإماراتي مقابل الدولار الأمريكي. ويعني هَذَا من الناحية العملية أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى المصرف المركزي التدخل فِي سوق الصرف الأجنبي، مِنْ أَجْلِ الحفاظ عَلَى سعر تعادل ثابت للدرهم مقابل الدولار. ولتحقيق هَذَا الغرض، يلتزم المصرف المركزي بشراء الدرهم مقابل الدولار من السوق بسعر 3.673 درهم، ويبيع الدرهم مقابل الدولار بسعر 3.672 درهم مَعَ الأطراف المقابلة المؤهلة فِي السوق. وَحَتَّى يكتسب هَذَا الأمر المصداقية اللازمة، يتوجب عَلَى المصرف المركزي المحافظة عَلَى مخزون وافر من احتياطيات العملات الأجنبية السائلة للتدخل فِي السوق. ويفرض المَرْسُوم بقانون اتحادي رقم (14) لِسَنَةِ 2018 شرط “غطاء القاعدة النقدية”. وهذا يتطلب ألا تقل القيمة السوقية لرصيد الاحتياطيات من الأصول الأجنبية للمصرف المركزي فِي جميع الأوقات، عَنْ 70% من قيمة القاعدة النقدية، مَا يؤدي إِلَى ضمان مصداقية نظام سعر الصرف السائد.

ونتيجة لهدف سياسته النقدية، تعتمد الميزانية العمومية للمصرف المركزي بِشَكْل أساسي عَلَى الدولار الأمريكي، ويعني ذَلِكَ أن معظم التغييرات فِي القاعدة النقدية يقابلها تمامًا تَغْيير مماثل فِي الاحتياطيات الأجنبية؛ أي أن حجم الميزانية العمومية للمصرف المركزي يتغير وِفْقًا لتدفقات العملات والأصول الأجنبية. وَعَلَى سبيل المثال، يمكن الوضع فِي الحسبان النتائج المترتبة عَلَى زيادة تدفقات رأس المال بِسَبَبِ المضاربة فِي سوق العقارات. ولمنع ارتفاع قيمة الدرهم الإماراتي، يقوم المصرف المركزي ببيع الدرهم مقابل الدولار الأمريكي بسعر ثابت قدره 3.672 درهم، مَعَ إيداع أموال الدرهم فِي المصرف المركزي عَلَى شكل أرصدة احتياطية. وبهذه الطريقة، تتوسع الأصول فِي الميزانية العمومية للمصرف المركزي عَلَى شكل احتياطيات أجنبية، بَيْنَمَا تتوسع الخصوم فِي الميزانية العمومية للمصرف المركزي عَلَى شكل ودائع (احتياطيات) مصرفية. ونتيجة لِهَذَا التدخل، تتوسع القاعدة النقدية لدولة الإمارات.

ماذا عَنْ أثمنة الفائدة؟

بناءً عَلَى مَا ورد أعلاه، يتم إنشاء معظم عرض النقد عَلَى شكل أموال لَدَى البنوك التجارية الَّتِي تنشأ عِنْدَ تقديمها قروضاً مصرفية. وَمَعَ ذَلِكَ، يمكن للقاعدة النقدية أن تحدث تَغْييرًاً قوياً عَلَى عرض النقد بمعناه الواسع، نظراً لتأثيرها عَلَى أثمنة الفائدة فِي السوق. وَتَجْدُرُ الإشارة فِي هَذَا الصدد إِلَى أَنَّ القاعدة النقدية تَشْمَلُ الأموال الَّتِي أودعتها البنوك التجارية لَدَى المصرف المركزي. وتستخدم هَذِهِ الأموال المعروفة باسم احتياطيات البنوك، لتسهيل المدفوعات فِي الاقتصاد الأوسع. وَمِنْ الأمثلة عَلَى ذَلِكَ، أَنَّهُ عِنْدَمَا تقوم بدفع سعر فنجان قهوة عَنْ طَرِيقِ بِطَاقَة الخصم، فِي حين يكون البنك التجاري الَّذِي يتعامل مَعَهُ مالك المقهى مختلفاً عَنْ البنك التجاري الَّذِي تتعامل مَعَهُ، تَتِمُّ عملية تسوية هَذِهِ الأموال بَيْنَ البنوك المعنية عبر حسابات الاحتياطي (التسوية) لَدَى المصرف المركزي. ولتسهيل هَذِهِ المدفوعات والوفاء بالالتزامات التنظيمية، فَإِنَّ البنوك التجارية فِي نهاية المطاف تكون بحاجة إِلَى الاحتفاظ ببعض الأموال فِي حساباتها الاحتياطية لَدَى المصرف المركزي. وعندما يطلب بنك تجاري مَا أموالاً إضافية للوفاء بِهَذِهِ الالتزامات، فَإِنَّهُ سيتوجه إِلَى السوق بَيْنَ البنوك لاقتراض الأموال من بنك آخر. وتحدد الأثمنة المفروضة عَلَى الاقتراض بَيْنَ البنوك أثمنة الفائدة عبر مجموعة أوسع من المنتجات للأفراد والشركات. وَإِذَا لَمْ يتمكن البنك من الاقتراض من بنك آخر، يمكنه الاقتراض فِي نهاية المطاف من المصرف المركزي بسعر أعلى من أثمنة السوق.

ويكون المعروض من الاحتياطيات المصرفية فِي دولة الإمارات أكبر بكثير مِمَّا هُوَ مطلوب لتسهيل المدفوعات والوفاء بالالتزامات التنظيمية، ويطلق عَلَى ذَلِكَ مصطلح “السيولة الفائضة الهيكلية”. ويعزى ذَلِكَ فِي جانب کَبِير مِنْهُ إِلَى احتفاظ دولة الإمارات بفائض کَبِير فِي الحساب الجاري مَعَ مرور الوقت. لذلك، يتجاوز عرض الاحتياطيات الطلب بهامش کَبِير. وَفِي ظل هَذَا النظام النقدي، يكون من الضروري أن يضع المصرف المركزي حداً أدنى لَا يمكن لأثمنة الفائدة فِي الأسواق المحلية أن تنخفض دونه كَثِيرًاً. ويحقق المصرف المركزي ذَلِكَ مِنْ خِلَالِ تفعيل تسهيلات الإيداع لليلة واحدة، حَيْتُ يمكن للبنوك العاملة فِي الدولة إيداع احتياطياتها الفائضة فِي نهاية كل يوم عمل. ويكون سعر الفائدة المدفوع عَلَى هَذِهِ التسهيلات، أَوْ مَا يعرف بسعر الأساس، سعر الفائدة الرئيسي المحدد للموقف العام للسياسة النقدية للمصرف المركزي، كونه يمثل العامل المحدِّد الرئيسي لِجَمِيعِ أثمنة الفائدة فِي دولة الإمارات، كَمَا أَنَّهُ السعر الَّذِي ستحصل بِهِ البنوك عَلَى حد أدنى من سعر الفائدة من المصرف المركزي مقابل احتياطياتها الفائضة، وَذَلِكَ بعد استنفاذها جميع خيارات الإقراض فِي السوق مَا بَيْنَ البنوك. وَفِي حال غياب مثل هَذَا الحد الأدنى، تكون أثمنة الفائدة بَيْنَ البنوك عرضة للانخفاض إِلَى مُسْتَوَى الصفر.

وَمَعَ أَنَّهُ يمكن للمصرف المركزي تحديد سعر الأساس، قَد يتعذر عَلَيْهِ القيام بِذَلِكَ بِشَكْل مستقل. وَتَجْدُرُ الإشارة فِي هَذَا الصدد إِلَى أَنَّ المصرف المركزي يحافظ عَلَى سعر صرف ثابت للدرهم الإماراتي مقابل الدولار الأمريكي. وَحَتَّى يظل هَذَا السعر مستقراً وثابتاً، يتطلب أن تكون أثمنة الفائدة فِي الدولة متوافقة بِشَكْل وثيق مَعَ أثمنة الفائدة الأمريكية. وَإِذَا كَانَت أثمنة الفائدة فِي الدولة مرتفعة للغاية مقارنة بالولايات المتحدة، فسيؤدي ذَلِكَ إِلَى عمليات تدفق الأموال إِلَى دولة الإمارات لغرض المضاربة. فِي المقابل، إِذَا كَانَت أثمنة الفائدة فِي دولة الإمارات منخفضة للغاية، قَد يَرْتَفِعُ حجم تدفق الأموال إِلَى الخارج. ولتحقيق هَذَا الهدف، يكون سعر الأساس متوافقاً إِلَى حد کَبِير مَعَ أثمنة الفائدة الأمريكية، حَيْتُ يتماشى سعر الأساس تحديداً مَعَ سعر الفائدة عَلَى الأرصدة الاحتياطية المعتمد من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (IORB)، رَغْمَ أَنَّ المصرف المركزي قَد يلجأ إِلَى تعديل هَذَا التوافق أحياناً تَبَعًاً لظروف السوق المحلي. ويراقب المصرف المركزي عَنْ كثب تدفقات الأموال من وإلى الدولة للتأكد من أن توجهات السياسة النقدية لَا تشجع دون قصد عَلَى عمليات المضاربة.

وتعرف الوسائل الَّتِي يستخدمها المصرف المركزي لإدارة سياسته النقدية باسم “نظام الحد الأدنى”، أي أَنَّهُ يتم الاحتفاظ بالسيولة الفائضة الهيكلية كخيار للسياسة النقدية، حَيْتُ يسعى المصرف المركزي إِلَى استهداف مُسْتَوَى السيولة الفائضة الهيكلية. ويعرف هَذَا بمصطلح “مستهدف المصرف المركزي من الاحتياطيات الفائضة”. ويكون الغرض من هَذَا المستهدف التَأَكُّد من أن أثمنة الفائدة لليلة واحدة مَا بَيْنَ البنوك متوافقة مَعَ سعر الأساس، مَعَ ضمان عدم وجود احتياطيات كبيرة لَدَى البنوك التجارية فِي نفس الوقت، إِلَى مُسْتَوَى قَد يؤدي لإعاقة تطور سوق رأس المال فِي الدولة. ويتدخل المصرف المركزي فِي السوق المحلية لتلبية مستهدف الاحتياطيات الفائضة. ويُعرف هَذَا التدخل فِي السوق باسم “عمليات السوق المفتوحة”.

ولتوضيح طريقة عمل ذَلِكَ، نأخذ تدفقات رؤوس الأموال من دولة الإمارات إِلَى الخارج مثالاً عَلَى ذَلِكَ، حَيْتُ تتدفق 5 مليارات درهم من دولة الإمارات عبر عملية صرف أجنبي مَعَ المصرف المركزي. وتؤدي هَذِهِ العملية إِلَى خفض صافي الأصول الأجنبية لَدَى المصرف المركزي بالإِضَافَةِ إِلَى أرصدة احتياطيات البنوك لَدَى المصرف المركزي، مَا يؤدي بدوره إِلَى تقلص القاعدة النقدية بمقدار 5 مليارات درهم.

الخطوة الأُوْلَى: 5 مليارات درهم تدفقات من دولة الإمارات إِلَى الخارج

الخصوم

الأصول

(1) صافي الأصول الأجنبية – 5 مليارات

(1) احتياطيات البنوك لَدَى المصرف المركزي -5 مليارات

فِي هَذَا المثال، يُمْكِنُنَا اعتبار أن الاحتياطيات الفائضة الَّتِي تحتفظ بِهَا البنوك العاملة فِي الدولة تقل عَنْ مستهدف المصرف المركزي من الاحتياطيات الفائضة. وَالبِتَّالِي، قَد تؤدي ندرة الاحتياطيات إِلَى ارتفاع أثمنة الفائدة بَيْنَ البنوك بِشَكْل کَبِير فَوْقَ سعر الأساس. وللتأكد من أن جميع الاحتياطيات الفائضة وأثمنة الفائدة تتماشى مَعَ مستهدفه، يتدخل المصرف المركزي فِي نهاية المطاف فِي السوق المحلية. ويوجد عَدَدُُ مِنَ الأدوات المتاحة للتدخل من جانب المصرف المركزي، وَلَكِن لغرض التبسيط فإننا نستدل بالشراء المباشر للأصول المحلية. ووفق هَذَا المثال، يقوم المصرف المركزي بشراء 5 مليارات درهم من الأوراق المالية المقومة بالدرهم من البنوك العاملة فِي الدولة. ونتيجة لذلك، يَرْتَفِعُ صافي الأصول المحلية للمصرف المركزي بمقدار 5 مليارات درهم، بَيْنَمَا تَتِمُّ إضافة 5 مليارات درهم إِلَى الحسابات الاحتياطية لَدَى المصرف المركزي. وهذا يَعْنِي أن مثل هَذِهِ المعاملات تعوض تأثير تدفقات العملات عَلَى الأرصدة الاحتياطية للبنوك، وَتَضَمَّنَ بقاء أثمنة الفائدة بَيْنَ البنوك لليلة واحدة متوافقة تماماً مَعَ مستهدف المصرف المركزي.

الخطوة الثَّـانِيَة: المصرف المركزي يتدخل لِتَحْقِيقِ التوازن

الخصوم

الأصول

(1) احتياطيات البنوك لَدَى المصرف المركزي (-5) مليارات

(1) صافي الأصول الأجنبية (-5) مليارات

(2) احتياطيات البنوك لَدَى المصرف المركزي (+5) مليارات

(2) صافي الأصول المحلية (+5) مليارات

الخلاصة:

  • يتم إنشاء معظم الأموال فِي النظام النقدي عَنْ طَرِيقِ إقراض البنوك التجارية للأموال
  • يتم إنشاء أموال المصرف المركزي إِلَى حد کَبِير مِنْ خِلَالِ تدفقات العملات الأجنبية، وَلَكِن هَذِهِ الأموال يمكن أن تؤثر عَلَى عرض النقد مِنْ خِلَالِ أثمنة الفائدة
  • يحدد المصرف المركزي أثمنة الفائدة مِنْ خِلَالِ سعر الأساس، وَالَّذِي يتماشى بِشَكْل وثيق مَعَ أثمنة الفائدة الأمريكية. ويحدد هَذَا السعر الحد الأدنى لأثمنة الفائدة فِي سوق مَا بَيْنَ البنوك
  • يتدخل المصرف فِي السوق المحلية للتأكد من أن أثمنة الفائدة بَيْنَ البنوك لليلة واحدة تتماشى مَعَ سعره الأساس، وَأَن الاحتياطيات الفائضة للبنوك العاملة فِي الدولة تتوافق مَعَ المُسْتَوَى المستهدف.

مَا تأثير العملة؟

كَمَا ورد سابقاً، يطبق المصرف المركزي نظام سعر صرف ثابتاً للدرهم الإماراتي مقابل الدولار الأمريكي. ويفرض هَذَا النظام بعض القيود عَلَى استقلالية المصرف المركزي فِي وضع السياسة النقدية. ويعزى ذَلِكَ إِلَى مَا يشار إِلَيْهِ بمصطلح “الثالوث المستحيل”. وينص هَذَا الشرط عَلَى أَنَّهُ من المستحيل تحقيق جميع خيارات السياسة الثلاثة فِي وقت واحد، وَهِيَ: سعر صرف مستقر، وحرية تحويل الأموال من وإلى الدولة، وسياسة نقدية مُسْتَقِلَّة (حرية تحديد أثمنة الفائدة). لذا، يمكن لصانعي السياسات انتقاء خيارين فَقَطْ من خيارات السياسة الثلاثة:

وَحَتَّى نتمكن من فهم سبب استحالة تَطْبِيق الثالوث المستحيل، يُمْكِنُنَا النظر فِيمَا يمكن أن يحدث إِذَا حاول المصرف المركزي تنفيذ جميع الخيارات الثلاثة فِي وقت واحد. ووفق هَذَا المثال، قَد يقرر المصرف المركزي تنفيذ سياسة نقدية توسعية عَنْ طَرِيقِ خفض أثمنة الفائدة. ويؤدي ذَلِكَ بدوره إِلَى خفض أثمنة الفائدة فِي دولة الإمارات مقارنة بمستويات الفائدة فِي الولايات المتحدة، مَا يؤدي إِلَى تدفق الأموال من دولة الإمارات إِلَى الخارج، حَيْتُ يمكن لمتعاملي السوق المحلية تحقيق أرباح خالية من المخاطر، عَنْ طَرِيقِ الاقتراض بالدرهم، وَمِنْ ثُمَّ إيداعها بأثمنة فائدة أعلى فِي الولايات المتحدة.

فِي نهاية المطاف، سيؤدي هَذَا الشكل من تجارة المناقلة (carry-trade) إِلَى زيادة عرض النقد من الدرهم، مَا يدفع بالضغط الهبوطي عَلَى العملة، وعليه، سيضطر المصرف المركزي لبيع جزء من احتياطاته الأجنبية مِنْ أَجْلِ التدخل فِي السوق. وَإِذَا تواصل هَذَا الظرف إِلَى أجل غير مسمى، سيستنفذ المصرف المركزي فِي نهاية الأمر مخزونه من الاحتياطيات الأجنبية، وإجباره عَلَى التخلي عَنْ سعر الصرف الثابت. وبشكل عام، فَإِنَّ أي من السياسات الثلاث المدرجة فِي الثالوث المستحيل، ستتعرض للكسر فِي النهاية إِذَا حاول صانع السياسة (المصرف المركزي) تنفيذ السياسات الثلاث فِي وقت واحد.

.

عَنْ الموقع

ان www.zoom32.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع المالية والاقتصادية وَكَذَا اعلانات الوظائف,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية الادارية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها الباحث عَنْ فرص الاستثمار سَوَاء كَانَت فِي ارض الواقع او عبر الانترنت ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِاي مؤسسة مالية.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *