شبكة التحويلات الموحدة.. أهدافها وتأثيرها على الاقتصاد ومناطق الحوثيين؟

فِي خطوة جريئة نَحْوَ تنظيم العمليات المالية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، أَصَدَرَتْ الحكومة اليمنية المعترف بِهَا دوليًا عبر البنك المركزي فِي عدن سلسلة من القرارات تلزم شركات الصرافة بالانضمام إِلَى الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY).

وَتَمَّ إيقاف عَدَدُُ مِنَ شركات الصرافة الَّتِي لَمْ تنضم لِهَذِهِ الشبكة وإغلاق فروعها، مَعَ توجيه صارم لِجَمِيعِ شركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات للالتزام بتنفيذ كافة التحويلات المالية المحلية الجديدة بِشَكْل نقدي حصراً عبر هَذِهِ الشبكة. فما هِيَ هَذِهِ الشبكة؟ وما أهمية استخدامها؟

ومنذ أن قرر البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية المعترف بِهَا دوليًا نقل مقره الرئيسي إِلَى عدن عام 2016، فقد المودعون أحقيتهم فِي سحب أموالهم أَوْ التصرف بِهَا، وتراجعت ثقتهم بالبنوك، مَا دفعهم للاحتفاظ بأموالهم لَدَى محلات الصرافة أَوْ تحويلها إِلَى ذهب.

البنوك نفسها توقفت عَنْ إيداع الأموال لَدَى البنك المركزي التابع للحوثيين بعد 2016، وبدأ أصحاب رؤوس الأموال بفتح شركات الصرافة للاحتفاظ بأموالهم وتصريف أعمالهم، وظهرت شركات صرافة جديدة بصورة مفاجئة عَلَى الساحة المالية، وأصبحت شركات الصرافة أكثر أمانًا من البنوك، حَيْتُ يُقدر عددها بالآلاف.

رقابة البنوك

استطاع البنك المركزي الخاضع للحوثيين فِي صنعاء تطوير إمكانياته الفنية للرقابة عَلَى العمليات المالية الضخمة الَّتِي تقوم بِهَا شركات ومحلات الصرافة والتحويلات المالية، عبر نظام إلكتروني انضمت لَهُ كل شبكات التحويلات المالية، وأصبح بإمكان البنك معرفة أي حوالات لأي شخص عبر رقم جوال المرسل والمستلم واسميهما، بالإِضَافَةِ إِلَى الرقم العام الَّذِي وحّد أرقام الحوالات المالية فِي اليمن بِشَكْل كامل. وهذا مَكَّنَ بنك صنعاء من مراقبة تدفقات الأموال داخليًا وخارجيًا ومعرفة حجم الكتلة النقدية من العملات الأجنبية ولدى من تِلْكَ الأموال.

فِي المقابل، كَانَت قدرة البنك المركزي فِي عدن عَلَى الرقابة المالية لشركات الصرافة معطّلة، سَوَاء فِي عدن أَوْ فِي المناطق الأخرى، أَدَّى ذَلِكَ إِلَى عَدَمِ معرفة البنك المركزي أَيْنَ تذهب العملات الأجنبية الَّتِي يقوم بضخها للسوق مِنْ أَجْلِ الحفاظ عَلَى أثمنة الصرف فِي مناطق سيطرة حكومته، وَالبِتَّالِي كَانَت تتبخر دون أثر فِي استقرار أثمنة الصرف هُنَاكَ.

عَنْ الشبكة الموحدة

فِي أواخر عام 2020، اجتمعت قيادة البنك المركزي فِي عدن ممثلة بقطاع الرقابة عَلَى البنوك وشركات الصرافة المرخصة رسميًا من البنك المركزي، بهدف تنظيم أعمال الصرافة والحوالات الداخلية ومعالجة الاختلالات فِي سوق النقد الأجنبي. تمَّ إنشاء شبكة موحدة للحوالات، مملوكة لشركات الصرافة المرخصة، وتشكيل لجنة تأسيسية ممثلة لملاك شركات الصرافة لوضع التصورات الأساسية لإنشاء الشبكة، بالتنسيق مَعَ الفريق الفني بالبنك المركزي لاتخاذ الإجراءات التنظيمية والقانونية والفنية. تُعد هَذِهِ الشبكة شركة مساهمة مقفلة برأس مال 5 مليارات ريال يمني، وتعمل تحت إشراف البنك المركزي اليمني.

وَفِي منتصف فبراير/شباط 2024، أطلق البنك المركزي اليمني فِي عدن الشبكة بموجب تعميم يُلزم شركات ومنشآت الصرافة فِي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة باستخدام هَذِهِ الشبكة. فِي المقابل، أَصَدَرَتْ جمعية الصرافين اليمنيين فِي صنعاء “تحت سيطرة الحوثيين” تعميمًا فِي مارس 2024 يحظر عَلَى شركات ومنشآت الصرافة وشبكات تحويل الأموال المحلية التَعَامُل مَعَ شبكة UNMONEY والبنوك غير المرخص لَهَا من قبل البنك المركزي اليمني بصنعاء.

فِي يوم الأربعاء 26 يونيو 2024، أصدر البنك المركزي فِي عدن قرارًا بوقف العمل بِشَكْل كلي ونهائي بشبكات الحوالات المالية المحلية المملوكة للبنوك والمصارف أَوْ شركات ومنشآت الصرافة العاملة فِي الجمهورية، داعيًا البنوك والمصارف وشركات الصرافة المعنية لتصفية العمليات المعلقة فِي شبكات الحوالات التابعة لَهَا خِلَالَ 15 يومًا من صدور القرار، وَمِنْ ثُمَّ الانتقال إِلَى شبكة الحوالات الموحدة.

وَعَلَى افتراض استمرار منع جمعية الصرافين والبنك المركزي بصنعاء لشركات الصرافة من الانضمام لشبكة التحويلات المالية وإغلاق أي شركة تتعامل مَعَ هَذِهِ الشبكة، فَإِنَّ ذَلِكَ يَعْنِي أن عملية تبادل التحويلات المالية بَيْنَ المناطق الَّتِي تحت سيطرة ميليشيا الحوثي والمناطق الَّتِي تحت سيطرة حكومة عدن ستتوقف بِشَكْل رسمي ويتوقف مَعَهَا عمليات التحويل من الخارج عَلَى مناطق سيطرة الحوثيين، مَعَ احتمال أن تزدهر عملية التحويل بطرق غير رسمية.

لِمَاذَا تحرص الحكومة عَلَى استخدام الشبكة؟

تحرص الحكومة والبنك المركزي فِي عدن عَلَى حصر الحوالات المالية عَلَى قناة واحدة “الشبكة الموحدة” تعمل تحت رقابة البنك المركزي، وَذَلِكَ لِعِدَّةِ أسباب:

– تحسين الرقابة المالية: تُمكّن الشبكة البنك المركزي من معرفة حجم الكتلة النقدية من العملات الأجنبية المتوفرة فِي السوق، وَأَيْنَ تِلْكَ الأموال؟ وفيم تُستخدم؟. هَذَا يتيح للبنك القدرة عَلَى مراقبة تدفقات الأموال بِشَكْل أفضل.

– تنفيذ السياسات النقدية: يمكن للبنك المركزي تنفيذ سياسات نقدية فعّالة لِتَحْقِيقِ استقرار العملة المحلية أَمَامَ العملات الأجنبية. هَذَا يُعد أمرًا حيويًا فِي ظل الانهيار الاقتصادي الَّذِي يعاني مِنْهُ العملة فِي مناطق سيطرة الحكومة.

– تقليل التحويلات المالية غير المشروعة: يساعد استخدام الشبكة الموحدة فِي الحد من التحويلات المالية غير المشروعة، بِمَا فِي ذَلِكَ تمويل الإرهاب وعمليات غسل الأموال، مِمَّا يعزز من بيئة الأعمال ويزيد من الثقة فِي النظام المالي.

– حصر استخدام الكتلة النقدية: عبر الشبكة الموحدة، يتم حصر استخدام الكتلة النقدية من العملات الأجنبية الَّتِي يضخّها البنك المركزي فِي عدن عَلَى شكل مزادات علنية فِي عمليات استيراد السلع والمنتجات الَّتِي يتم استيرادها عبر ميناء عدن، مِمَّا يعزز من استفادة الحكومة فِي عدن من جمارك تِلْكَ السلع.

حكومة ضد نفسها

لَقَدْ ضخّت حكومة عدن عبر البنك المركزي مليارات من الدولارات فِي السوق عَلَى شكل مزادات بغرض تحسين سعر صرف الريال اليمني فِي مناطق سيطرتها، لكن دون جدوى. السبب وراء ذَلِكَ يعود إِلَى أَنَّ تِلْكَ الأموال تذهب لصالح استيراد سلع ومنتجات لشركات غالبيتها مقراتها الرئيسية فِي صنعاء. هَذِهِ الشركات تستورد المنتجات إِلَى صنعاء عبر ميناء الحديدة، الَّذِي تحصل مِنْهُ ميليشيا الحوثي عَلَى مليارات الريالات عَلَى شكل جمارك، ثُمَّ تُرسل البضاعة إِلَى مناطق سيطرة الحكومة المعترف بِهَا فِي عدن، من الحديدة وصنعاء.

هَذَا الوضع يَعْنِي أن رَئِيس الحكومة ومحافظ البنك المركزي والمواطنين فِي مناطق سيطرة الحكومة الشرعية يتناولون منتجات تمَّ شراؤها بعملتهم الأجنبية، بَيْنَمَا تحصلت ميليشيا الحوثي عَلَى جمارك وضرائب تِلْكَ المنتجات. هَذَا التفسير يوضح لِمَاذَا لَمْ يتأثر سعر العملة المحلية فِي مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وكيفية تحسين مصادر دخل حكومتهم.

الرقصة الحوثية الأخيرة

من ناحية أُخْرَى، تواجه البنوك فِي مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي عجزًا غير معلنا فِي دفع مرتبات منظمات وشركات تتعامل مَعَهَا، وَإِذَا مَا أصرّت الحكومة والبنك المركزي فِي عدن عَلَى تنفيذ قراراتهم بِشَأْنِ الشبكة الموحدة للأموال فِي مواعيدها المحددة “دون تدخل خارجي”، فَإِنَّ ذَلِكَ سيؤدي إِلَى تناقص العملات الأجنبية فِي مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، وَالبِتَّالِي تراجع سعر صرف الريال هُنَاكَ. وهذا قَد يكشف عَنْ الوضع الحقيقي للاقتصاد فِي مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، مِمَّا قَد يدفع البنوك إِلَى تسريح موظفيها وإعلان إفلاسها.

إن تَطْبِيق الشبكة الموحدة للأموال يمكن أن يكون لَهُ تأثير کَبِير عَلَى الاقتصاد والسياسة فِي اليمن. بوجود نظام مالي موحد، ستتمكن الحكومة الشرعية من تحسين الرقابة عَلَى تدفقات الأموال وتقليل عمل السوق السوداء، مِمَّا يسهم فِي استقرار العملة المحلية وتحسين الوضع الاقتصادي. فِي المقابل، سيواجه الحوثيون تحديات مالية كبيرة قَد تدفعهم إِلَى الحِوَار والتفاوض مِنْ أَجْلِ إيجاد حلول مستدامة للأزمة اليمنية.

ولذا فَإِنَّ الشبكة الموحدة للأموال (UNMONEY) خطوة استراتيجية تأخرت الحكومة كَثِيرًا فِي اتخاذها، وليست مجرد أداة مالية، لِأَنَّ استخدامها قَد يدفع ميليشيا الحوثي إِلَى التفاوض بِشَكْل جاد “بِدُونِ المراوغة المعتادة” مِنْ أَجْلِ الوصول لِتَحْقِيقِ سلام دائم ومستدام، وينبغي عَلَى المجتمع الدَّوْلِي الاستمرار فِي تأييد البنك المركزي عَلَى تنفيذ كل قراراته. ويجب عَلَى الحكومة استغلال التأييد الدَّوْلِي والإقليمي الحاصل حاليا دون تأخير، وَالَّذِي لَنْ يتكرر بعد الآن.

أَمَّا التراجع عَنْ تنفيذ القرارات أَوْ تأجيل تنفيذها وإبقاء بنك مركزي عدن بِدُونِ قدرة عَلَى التحكّم، فهو يَعْنِي ضرب المسمار الأَخِير فِي نعش هيبة ومكانة البنك المركزي فِي عدن، واستمرار الحوثيين فِي حصد المليارات دُونَ أَنْ يكون لَهُمْ نية حقيقية للوصول إِلَى حل إلَّا مَا يفرضوه هم.


عَنْ الموقع

ان www.zoom32.com مِنَصَّة مُسْتَقِلَّة شاملة وحديثة تواكب كل مواضيع المالية والاقتصادية وَكَذَا اعلانات الوظائف,وَتَضَمَّنَ كذلك مجموعة من الخدمات والوسائل التعليمية الادارية الَّتِي تبسط وتشرح الأشياء الَّتِي يحتاجها الباحث عَنْ فرص الاستثمار سَوَاء كَانَت فِي ارض الواقع او عبر الانترنت ، وَتَجْدُرُ الاشارة إِلَى ان هَذِهِ المنصة لَا تمت باي صلة لِاي مؤسسة مالية.
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *