جريدة البلاد | تحريك بسيط يهز أركان العالم.. قصة الفائدة التي فككت تجارة بمئات المليارات

يَبْدُو الانهيار الَّذِي شهدته الأسواق العالمية يوم الاثنين الماضي أشبه بهزة قصيرة الأجل، أَوْ ذعر عابر أطلقه تحول بسيط فِي السياسة من جانب بنك اليابان والمخاوف المتجددة من الركود فِي الولايات المتحدة.
وَلَكِن الطريقة الَّتِي تطورت بِهَا الأمور بسرعة كبيرة – وتلاشى بنفس السرعة – تكشف عَنْ مَدَى ضعف الأسواق أَمَامَ استراتيجية استغلتها صناديق التحوط لتمويل مئات المليارات من الدولارات من الرهانات فِي كل ركن من أركان العالم تقريباً.
كَانَت تجارة المناقلة بالين، كَمَا تُعرف أَوْ “Carry Trade”، وصفة مجربة لعقود لِتَحْقِيقِ أرباح سهلة: مَا عليك سوى الاقتراض فِي اليابان، الملاذ الأَخِير فِي العالم لأثمنة الفائدة المنخفضة للغاية، ثُمَّ استثمارها فِي السندات المكسيكية الَّتِي تزيد عوائدها عَنْ 10%، أَوْ أياً من سندات الأسواق الناشئة ذات أثمنة الصرف المستقرة، أَوْ حَتَّى فِي أصول أعلى فِي المخاطرة مثل أسهم إنفيديا أَوْ حَتَّى بيتكوين. وعندما استمر الين فِي الانخفاض، أَصْبَحَ سداد القروض أرخص، وأصبحت العائدات أكبر بكثير.
وَعَلَى مَا يَبْدُو، انسحب المستثمرون من هَذِهِ التجارة الرائجة، مِمَّا ساعد بدوره فِي تغذية انتعاش عنيف فِي الين وخروج سريع من الأسهم والعملات الأخرى حَيْتُ تخلص المتداولون من الأصول لتلبية نداءات الهامش. كَمَا هز ذَلِكَ سوق الأسهم اليابانية، مِمَّا أَدَّى إِلَى أعنف عمليات بيع ليوم واحد مُنْذُ عام 1987 وسط مخاوف من أن ارتفاع العملة مِنْ شَأْنِهِ أن يضرب المصدرين.
وَقَالَ رَئِيس صناديق الاستثمار المتداولة فِي جونز تريدينغ، ديفيد لوتز: “تظل تجارة الين هِيَ قلب كل تقلبات الأسواق الآن”.
شرارة الهبوط
كَانَ الضغط يتراكم لأسابيع مَعَ تعثر الأسواق فِي المناطق الساخنة لتجارة الين، وانزلاق مؤشر ناسداك 100 عَنْ مستوياته المرتفعة القياسية وتزايد المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي أبقى السياسة النقدية مشددة للغاية لفترة طويلة جداً.
ثُمَّ جاءت الشرارة: رفع أثمنة الفائدة فِي اليابان. لَا يزال مؤشر بنك اليابان الآن عِنْدَ 0.25% فَقَطْ، وَهُوَ الأدنى فِي العالم الصناعي، لكن الزيادة فِي نهاية الشهر الماضي كَانَت كبيرة بِمَا يكفي لإجبار المستثمرين عَلَى إعادة النظر فِي اعتقادهم الراسخ بِأَنَّ تكاليف الاقتراض اليابانية ستظل دائماً ثابتة بالقرب من الصفر.
عَلَى الرغم من استقرار الأسواق، فَإِنَّ الحلقة تثير ناقوس الخطر بِشَأْنِ مقدار الرافعة المالية الَّتِي تراكمت حول اليابان حَيْتُ استمر بنكها المركزي فِي ضخ النقد عَلَى الرغم من ارتفاع التضخم بعد الوباء. وَقَد ترك هَذَا المتداولين القلقين يحاولون قياس مَا إِذَا كَانَ الجزء الأكبر من التراجع قَد انتهى – أَوْ مَا إِذَا كَانَ سيستمر فِي الانتشار عبر الأسواق فِي الأسابيع المقبلة.
التَّوَصُّل إِلَى إجابة أمر صعب لأنه لَا توجد تقديرات رسمية لمقدار الأموال المرتبطة بتجارة المناقلة. ووفقاً لشركة GlobalData TS Lombard، كَانَ هُنَاكَ حوالي 1.1 تريليون دولار متراكمة فِي تِلْكَ الاستراتيجية، عَلَى افتراض أَنَّ كُلَّ الاقتراض الخارجي فِي اليابان مُنْذُ نهاية عام 2022 تمَّ استخدامه لتمويل هَذَا النوع من الرهانات وَأَن المستثمرين المحليين استخدموا الرافعة المالية لمشترياتهم الأجنبية.
بعد التراجع الدرامي الَّذِي شهده الأسبوع الماضي، قدر الاستراتيجيون فِي جي بي مورغان تشيس أن ثلاثة أرباع صفقات (الاقتراض بالعملة اليابانية والاستثمار فِي الخارج) قَد تمَّ إغلاقها الآن، فِي حين قَالَ المحللون فِي سيتي غروب إن المُسْتَوَى الحالي للتمركز قَد أخرج الأسواق من “منطقة الخطر”.
إِلَى أَيْنَ نتجه؟
لكن آخرين مثل بنك أوف نيو يورك ميلون يعتقدون أن عملية الانسحاب لديها المزيد من المساحة للتحرك، مِمَّا قَد يدفع زوج العملة الدولار/الين إِلَى الانخفاض نَحْوَ 100 – وَهُوَ انخفاض بأكثر من 30% من حَيْتُ انتهى الأسبوع الماضي، مِمَّا يدل عَلَى قوة الين بِشَكْل کَبِير.
وكتب رَئِيس استراتيجية مجموعة العشرة فِي ستاندرد بنك فِي لندن، ستيفن بارو، فِي مذكرة للعملاء الأسبوع الماضي: “يَبْدُو أن المزيد من عمليات الانسحاب من صفقات حمل العملة مرجحة وَلَكِن الجزء الأكثر أهمية وتدميراً من انفجار الفقاعة هَذَا قَد انتهى الآن”.
فين رام، استراتيجي الاقتصاد الكلي فِي “بلومبرغ إنتليجنس”، يرى أن الين لَا يزال مقوماً بأقل من قيمته الحقيقية، وَمَعَ استمرار بنك الاحتياطي الفيدرالي فِي تخفيف سياسته، فَإِنَّ صفقات الـ Carry Trade بالعملة اليابانية المتبقية تبدو متذبذبة بِشَكْل متزايد.
الفقاعة، كَمَا سمّاها بارو، لَهَا جذور تعود إِلَى عقود من الزمان. فِي التسعينيات، مَعَ تأثر الاقتصاد الياباني بانهيار العقارات، خفض صناع السياسات هُنَاكَ أثمنة الفائدة إِلَى الصفر. حَتَّى إن خبراء اقتصاد صندوق النقد الدَّوْلِي ألقوا باللوم عَلَى التجارة للعب دور فِي الأزمة المالية لعام 2008.
بحلول عام 2016، دفع بنك اليابان أثمنة الفائدة إِلَى مَا دون الصفر.
وزاد الحافز للمضاربين عَلَى الاقتراض فِي اليابان بِمُجَرَّدِ أن بدأت البنوك المركزية الأخرى فِي السباق لاحتواء الارتفاع الحاد فِي التضخم بعد إعادة فتح العالم من الوباء. مَعَ رفع الأثمنة فِي جميع أنحاء العالم، أبقى بنك اليابان معياره أقل من الصفر – مِمَّا أَدَّى إِلَى تَوْسِيع الأرباح الَّتِي يمكن تحقيقها من تداولات الحمل.
وَكَانَت النتيجة موجة من النقد المضاربي الَّذِي تدفق خارج اليابان، مِمَّا وضع ضغوطا هبوطية عَلَى الين حَيْتُ باع التجار العملة لشراء عملات البلدان الَّتِي كانوا يستثمرون العائدات فِيهَا. وَكَانَ التأثير صارخا بِشَكْل خاص فِي أميركا اللاتينية، الَّتِي عرضت أثمنةا أعلى بكثير من تِلْكَ الموجودة فِي الولايات المتحدة وأوروبا. فِي عامي 2022 و2023، ارتفعت عملات مثل الريال البرازيلي والبيزو المكسيكي بِشَكْل حاد، لتصبح مِنْ بَيْنِ أفضل العملات أداءً فِي العالم.
وَبِحَسَبِ أحد المقاييس، حقق الاقتراض بالين والاستثمار فِي المكسيك، عَلَى سبيل المثال، عائدات بلغت 40% فِي العام الماضي وحده. واستمرت الاستراتيجية فِي تحقيق المكاسب، حَيْتُ عادت الصفقات الممولة بالين فِي سلة من ثماني عملات فِي الأسواق الناشئة بأكثر من 17% هَذَا العام حَتَّى أوائل يوليو. وَقَالَ أليخاندرو كوادرادو، رَئِيس استراتيجية النقد الأجنبي العالمية وأميركا اللاتينية فِي بنكو بلباو فيزكايا أرجنتاريا فِي نيويورك: “كَانَ شراء البيزو خياراً لَا يحتاج إِلَى تفكير قبل بضعة أشهر فَقَطْ ــ وَلَكِن تِلْكَ الأيام أصبحت وراءنا بالتأكيد”.
وعندما بدأ الين فِي التعافي من أضعف مستوياته مُنْذُ عقود، خلق ذَلِكَ حلقة مفرغة حَيْتُ قَامَ المتداولون بتصفية صفقات المناقلة لتثبيت مكاسبهم ــ مِمَّا دفع الين إِلَى الارتفاع أكثر حَيْتُ اشتراه المستثمرون لإغلاق قروضهم. وتسارعت وتيرة الارتفاع بَعْدَ أَنْ رفع بنك اليابان أثمنة الفائدة فِي 31 يوليو للمرة الثَّـانِيَة هَذَا العام، وَأَثَارَتْ أرقام الوظائف الأميركية الضعيفة بِشَكْل مفاجئ المخاوف من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي انتظر طويلاً للغاية لعكس مساره.
وَبعْدَ أن ضربت عملية التفكيك سوق الأسهم اليابانية فِي الخامس من أغسطس، مِمَّا دفع مؤشر نيكاي إِلَى الانخفاض بنسبة 12%، تدخل نائب محافظ بنك اليابان شينيتشي أوشيدا لطمأنة المستثمرين بِأَنَّ البنك المركزي لَنْ يرفع أثمنة الفائدة طالما استمرت حالة عدم الاستقرار فِي السوق. واستقرت الأسواق، مَعَ ظهور إشارات تفيد بِأَنَّ صناديق التحوط تراجعت عَنْ بعض الرهانات عَلَى أن الين سيستمر فِي الارتفاع.
وَقَالَ جاك ماكنتاير، مدير محفظة کَبِير فِي برانديواين جلوبال إنفستمنت مانجمنت: ” لَا تدوم أي تجارة إِلَى الأبد – وَقَد تغيرت الحقائق”. “لَقَدْ شدد بنك اليابان سياسته وانكسر شيء مَا: فِي هَذِهِ الحالة تجارة الحمل”.
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا