بنغلادش ليس كما نعرفها..! | صحيفة الرأي
تَارِيخ النشر :
السبت
11:00 2024-8-10
آخر تعديل :
السبت
11:20 2024-8-10
د. مهند النسور
عِنْدَمَا زرت بنغلادش لأول مرة، كُنْت فِي الحقيقة، للاسف، أجهل تماماً موقعها عَلَى الخريطة الجغرافية والاقتصادية العالمية، لكن مَا رأيته هُنَاكَ خِلَالَ زيارتي كَانَ مذهلاً، كُنْت قَد سمعت عَنْ بنغلادش فَقَطْ كدولة صغيرة و فقيرة فِي جنوب آسيا ذات كثافة سكانية عالية جداً، وَلَكِن مَا اكتشفته هُوَ نمر آسيوي قادم و بدأ بالاستيقاظ، يمتلك ماكينة إنتاجية ضخمة ومبشرة، بَعِيدًاً عَنْ الصورة النمطية الَّتِي قَد تكون سائدة لدينا، وَمِنْ خِلَالَ تِلْكَ الزيارة، فوجئت بحجم التحولات الَّتِي تشهدها بنغلادش، تحت قيادة رئيسة الوزراء، الشيخة حسينة، تحققت إنجازات اقتصادية ملحوظة جعلت من بنغلادش واحدة من أبرز اللاعبين عَلَى الساحة العالمية، و لَقَدْ أدهشني حجم النمو الَّذِي حققته صناعة النسيج، الَّتِي ليست مجرد مصدر للإيرادات، بَلْ تجسد قصة نجاح غير عادية، فَفِي خضم الأزمات، حولت بنغلادش التحديات إِلَى فرص، وبنت قوة اقتصادية جعلتها تتألق فِي سماء الاقتصاد العالمي، ورغم كل هَذِهِ الإنجازات، لَمْ تكن رحلة الشيخة حسينة سهلة، لَقَدْ تعرضت لانتقادات بِشَأْنِ قضايا الحريات العامة وتقييد المعارضة، وكَذَلِكَ الاستهداف السياسي الداخلي والخارجي، لكن هَذِهِ التحديات تعكس الصراع العميق بَيْنَ التقدم والطموحات السياسية، وتؤكد عَلَى أن الطريق إِلَى النجاح ليس مفروشاً بالورود، وإن الاحتجاجات الحالية فِي الشوارع تعكس التوترات والأمل فِي التغيير، وتُبرز الحاجة إِلَى حلول متوازنة بَيْنَ التقدم وحقوق الإنسان.
إن إرث الشيخ مجيب الرحمن، والد الشيخة حسينة، هُوَ شهادة عَلَى نضال لَا يُنسى، فقد قاد الشيخ مجيب بنغلادش إِلَى الاستقلال فِي عام 1971، وحققت البلاد هَذَا الحلم بفضل تضحياته العظيمة، ورغم الاغتيال المأساوي لَهُ ولعائلته فِي عام 1975، فَإِنَّ إرثه باق لَمْ يندثر بَلْ عَلَى العكس من ذَلِكَ فقد أَصْبَحَ مصدر إلهام للأجيال القادمة، كَمَا أن التزام الشيخة حسينة بمبادئ والدها يعكس مَدَى قوة الروح البنغالية وقدرتها عَلَى النهوض رغم الصعوبات، وعند صعود الشيخة حسينة إِلَى الطائرة الَّتِي أقلتها إِلَى الهند لَمْ يصعد مَعَهَا إلَّا ابنتها، وَلَمْ تحمل أموالاً أَوْ مقدرات البلاد،كَمَا أَنَّهُمْ لَمْ يجدوا فِي قصرها سبائك الذهب والحلي، فقد كَانَ همها الوحيد هُوَ الذهاب إِلَى الهند واستكمال عملها ومسيرتها السياسية الَّتِي أحبت، مكررة بِهَذِهِ الحالة مَا حدث لغيرها من السياسين، وَقَد يُفسر هَذَا فِي الرؤية والذاكرة العربية بأنه هروب مَعَ ملايين الدولارات والسبائك المحملة مَعَهَا عَلَى الطائرة، إلَّا اننا لَمْ نسمع عَنْ أرصدتها السرية فِي البنوك العالمية، فبعد مغادرة الشيخة حسينة، تولى محمد يونس رَئِيس الوزراء الاسبق بعد مطالبة كامل الشعب البنغالي المائة و الستين مليون نسمة، الحائز عَلَى جائزة نوبل للسلام، رئاسة الحكومة المؤقتة، يونس، الَّذِي أسس مصرف «غرامين»، قدم للعالم مثالاً مشرفاً عَلَى كيفية أن أفكارا بسيطة يمكن أن تغير حياة الملايين، فمن خِلَالَ تَقْدِيم قروض صغيرة للأشد فقراً، أثبت يونس أن التغيير الإيجابي يمكن أن يبدأ من أبسط الأفكار، مِمَّا يجعله رمزاً للأمل والتفاؤل، وَقَد برهن عَلَى التزامه العميق بالنضال مِنْ أَجْلِ بنغلادش مِنْ خِلَالِ التضحية الشخصية، حَيْتُ تعرض للسجن بِسَبَبِ مواقفه الجريئة فِي الدفاع عَنْ حرية واستقرار البلاد، و إن هَذِهِ التجربة القاسية لَمْ تزد يونس إلَّا إصراراً، إِذْ كَانَت تضحياته دليلاً عَلَى مَدَى استعداده للذهاب إِلَى أبعد مَدَى مِنْ أَجْلِ تعزيز مستقبل بنغلادش واستقرارها و ها هُوَ الشعب بكمله يناديه و يطلب تسلمه السلطة.
وَعَلَى الرغم من المشاكل العديدة فِي بنغلادش، فانني فِي كل زيارة قمت بِهَا تاكد لِي أَنَّهَا ليست مجرد دولة تتجاوز الأزمات، بَلْ هِيَ نمر اقتصادي قادم بقوة عَلَى المُسْتَوَى العالمي ان تركت و سلمت من المتامرين عَلَيْهَا، لَقَدْ لمست وشعرت بِهَذَا التغيير مِنْ خِلَالِ العمل المشترك والمتابعة للأنشطة والفعاليات الَّتِي تمت فِي البلاد، واليوم بنغلادش ليست مجرد مكان بعيد فقير، بَلْ هِيَ تجربة ناجحة تعلمنا كَيْفَ يمكن للإصرار والأمل أن يخلقوا أبطالاً حقيقيين، بنغلادش، بإنجازاتها وتطوراتها، تقدم لنا درساً مؤثراً فِي الصمود والتغيير، وتجسد قوة الإرادة والقدرة عَلَى التغلب عَلَى الصعاب، وتؤكد أَنَّ كُلَّ تحدٍ يمكن أن يكون فرصة لخلق شيء عظيم، ستظل بنغلادش مثالاً حياً عَلَى أن الأمل والعمل الدؤوب يمكن أن يصنعا مستقبلاً زاهراً، حَتَّى فِي أوقات الشدائد وأصعب الظروف، نعم، هنالك مصاعب جمة ومعقدة و لكن لَا نستطيع اغفال النجاحات وعدد المضحين وحجم التضحيات.
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا