المال الأسود ! | صحيفة الرأي
تَارِيخ النشر :
الأربعاء
12:31 2024-5-22
آخر تعديل :
الأربعاء
12:39 2024-5-22
ظهر هَذَا المصطلح بالأونة الأخيرة نسبيا، وأصبح يتنامى يوما بعد يوم وملتصقا بالانتخابات النيابية (وغيرها من أشكال الانتخابات)، ويطلق كوصف للمال المبذول عَلَى عدة عمليات قبل الانتخابات واثنائها ويتم جرد الحساب بعدها.
ابتدأت هَذِهِ العمليات بصورتها البدائية والمباشرة وَهِيَ الاتفاق مَعَ بعض الناخبين أَوْ ممثليهم عَلَى مبلغ مالي مقابل ضمان التصويت للمرشح المقصود، وَلَكِن تطورت وتعقدت أشكال وعمليات الدفع حديثا لِتَشْمَل الترشح للقوائم الحزبية والترتيب بِهَذِهِ القوائم، ناهيك عَنْ شراء ذمم بعض الصحفيين واصحاب المدونات بهدف تلميع المرشح اعلاميا وتسويقه وتعظيم إنجازاته، إن وجدت.
وَإِذَا قلنا أن هَذَا المال أسود فبالضرورة هُنَاكَ مال أبيض مشروع بالإنفاق، كالرسوم والدعاية واللافتات والتنقلات والاتصالات…الخ، وَهُوَ مَا اصطلح عَلَى تسميته بالمال السياسي، وما بَيْنَ الأبيض والأسود هُنَاكَ الوان يشتبه بالحكم عَلَيْهَا كالمشتبه بَيْنَ الحلال والحرام، مثل القروض والمساعدات والتبرعات الَّتِي تبدو ظاهرها أعمال خيرية وباطنها مال أسود الهدف مِنْهُ شراء الذمم.
أقول أن المال السياسي هُوَ فساد بأي حال من الأحوال، وَلَا يمكن لعاقل ومتبصر أن يفصل هَذَا الشكل من الفساد ويعامله كوحدة مُسْتَقِلَّة، ويسن لَهُ التشريعات والقوانين لضبطه ومحاربته، بمعزل عَنْ الفساد الكلي الَّذِي أَصْبَحَ يتنامى ويستفحل ويضرب كافة قطاعات المجتمع فِي ظل اختلال منظومة القيم والمبادئ والأخلاق وذهابها بمنحى مادي بحت، تسرب ونفذ إلينا بِشَكْل ممنهج من الخارج عَلَى شكل مناهج تعليمية ومساعدات واتفاقيات حقوق مرأة وحقوق طفل هدفها تفكيك الأسرة كنواة مجتمع…الخ.
عذرا عَلَى التشبيه فهو صادم، لكنه برأيي اقرب للمنطق والواقع، فأنا أشبه الفساد بالزنا من ناحية نجاسة الفعل، وصعوبة أَوْ استحالة الأثبات، فكلاهما يتم بسرية تامة وبغرف سوداء مقفلة وغالبا من دون شهود وَلَا تنكشف العمليتين مهما وضعت من قوانين لضبطها والسيطرة عَلَيْهَا وَذَلِكَ لِغِيَابِ الأدلة واستحالتها من ناحية، ثُمَّ غياب الوازع الأخلاقي لَدَى أطراف المعادلة من ناحية أُخْرَى.
عودة إِلَى المال السياسي كجزئية فساد (وللامانة فَهَذَا المال ينشط بمناطق وفئات دون اخرى) ونقول أَنَّهُ تظافرت عدة أمور فرادى ومجتمعة لظهور هَذَا المال وتعاظم دوره عِنْدَ انتخاب المجالس النيابية مِنْهَا وَعَلَى سبيل المثال لَا الحصر:
– ازدياد نسبة الفقر والبطالة، وهذا شجع المرشح المقتدر عَلَى الدفع وشراء الذمم وشجع الفقير والعاطل عَنْ العمل بالقبول.
– ظهور طبقة رؤوس الأموال الجشعة والرغبة الجامحة لِهَذِهِ الطبقة بدعم رأسمالها بالنفوذ لحمايته أولا، ثُمَّ تسهيل استثماره ثانيا.
-ضعف بعض المجالس النيابية السابقة (مَا عدا برلمان ٨٩) ووصفها بالديكورية وعدم تأثيرها إيجابيا عَلَى حياة المواطن، مِمَّا أَدَّى إِلَى تكوين رأي عام (مبرر) لَدَى الناس بِعَدَمِ جدوى هَذِهِ المجالس، وَالبِتَّالِي استثمار الصوت الانتخابي ولو بمبلغ متواضع يسد بِهِ رمقه الظامي.
– ظهور طبقة من المرشحين البراغماتيين المشبعين بالفكر الميكافيللي، بالوصول للبرلمان بأي طريقة كَانَت، مِمَّا أفرز مالا أسود كوسيلة اصبحت شبه مضمونة للوصول.
– نكوص وتراجع أصحاب الكفاءات وذوي الاخلاق غير المقتدرين ماليا وإفساح المجال لغيرهم بالتقدم فِي ظل سطوة المال.
يصرح جميع المرشحين دون استثناء أَنَّهُمْ ضد المال الأسود وينعتون الدافع والمتلقي بأقبح الصفات والشتائم، ويحلفون أغلظ الإيمان ويوقعون عَلَى مَا شئت من المواثيق، لكن القوم بالسر ليس القوم بالعلن، ونحن هُنَا لَا نعمم بأي حال من الأحوال, فكثير من المرشحين شرفاء ولديهم من المثل والقيم العُلْيَا مَا يؤهلهم لعدم ممارسة هَذِهِ العملية جملة وتفصيلا، وللأسف القليل مِنْهُمْ من يصل لقبة البرلمان، بالرغم من كفاءتهم وسمعتهم العطرة عَلَى مُسْتَوَى الشارع، وتذهب فرصهم عَلَى طبق من المال الأسود لغيرهم.
فِي عز سباق التسلح وغزو الفضاء الَّذِي كَانَ محتدما بَيْنَ القوتين الاعظم بخمسينيات القرن الماضي أميركا والاتحاد السوفييتي، كَانَ السوفييت هم السباقون بغزو الفضاء، وأذهلوا الأميركان والعالم بِهَذِهِ الخطوة غير المتوقعة، عندها كَانَ رد فعل الرئيس الاميركي ايزنهاور إن طلب مباشرة من معاونيه إعادة النظر بمناهج الصفوف الست الأُوْلَى بالمدارس وتطويرها، عوضا عَنْ توبيخ ولوم وكالة الفضاء والمخابرات المركزية، مَا أريد أن أصل إِلَيْهِ ونحن بصدد محاربة المال الأسود هُوَ العودة إِلَى الجذور، قيمنا ومثلنا وأخلاقنا لصيانتها وترميمها كحل شامل، مَعَ الاح?رام والتقدير الكامل للجهود الَّتِي بذلت كحلول مؤقتة بسن قوانين بتجريم هَذَا المال ومرتكبيه.
عَنْ الموقع
يستفيد سنويا من منصتنا أكثر من 25 مليون زائر وزائرة من جميع الفئات العمرية .
تمَّ الحرص فِي zoom32.com عَلَى 4 توابت اساسية :
ـ جودة المضامين المنشورة وصحتها فِي الموقع
ـ سلاسة تصفح الموقع والتنظيم الجيد مِنْ أَجْلِ الحصول عَلَى المعلومة دون عناء البحث
ـ التحديث المستمر للمضامين المنشورة ومواكبة جديد التطورات الَّتِي تطرأ عَلَى المنظومة التربوية
ـ اضافة ميزات وخدمات تعليمية متجددة
لمدة 3 سنوات قدمنا اكثر من 50000 مقالة وازيد من 200 ألف مِلَفّ مِنْ أَجْلِ تطوير دائم لمنصتنا يتناسب وتطلعاتكم, والقادم أجمل إن شاء الله.
⇐ المنصة من برمجة وتطوير zoom32.com وصيانة DesertiGO
⇐ يمكنك متابعتنا عَلَى وسائل التواصل الاجتماعي ليصلك جديدنا: اضغط هُنَا